مع اقتراب قرار من الحكومة المصرية بتعديل سعر الصرف الرسمي للجنيه المحلي، يشهد الجنيه المصري في السوق السوداء تقلبات مستمرة، ويتحدث متعاملون ومستوردون عن حملة أمنية لمراقبة التعاملات بالعملات الأجنبية خارج النظام المصرفي.

وذكر متعاملون ومستوردون لوكالة الأنباء العربية (AWP) أن سعر الجنيه المصري مقابل الدولار في السوق السوداء سجل يوم الاثنين 62 جنيهًا، وهو انخفاض من مستويات النطاق بين 63 و64 جنيهًا في نهاية الأسبوع السابق.

وأوضح متعاملان أنهما يتوقعان استمرار انخفاض سعر الجنيه في السوق السوداء خلال الفترة المقبلة، خصوصا مع عودة المستوردين لنشاطهم بعد انتهاء عطلة عيد الربيع في الصين، ما لم يتم إصدار قرار بتعديل سعر الصرف الرسمي.

أشار المتعاملون إلى وجود ضغوط كبيرة من الأجهزة الأمنية على السوق السوداء بهدف منع أي تعاملات خارج النظام المصرفي، مما أدى إلى تراجع كبير في حجم التداول.

وفي إشارة إلى تشديد الرقابة، وافق الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” هذا الشهر على قانون يُسمح بمحاكمة المتورطين في تجارة العملات الأجنبية واحتكار وتخزين السلع الأساسية أمام المحاكم العسكرية.

وقال أحد المستوردين: “يعود تقلب سعر صرف الجنيه في السوق السوداء إلى التوازن بين العرض والطلب، حيث وصل الدولار إلى مستويات قياسية في أواخر يناير بسبب الطلب المتزايد لتكثيف الاستيراد من الصين قبل بدء عطلة عيد الربيع التي تمتد لنحو شهر”.

من المتوقع أن يصل سعر الدولار إلى مستويات تتجاوز 73 جنيهًا، حيث يُشير مستورد آخر إلى تأثير الأخبار المتعلقة بقرب اتخاذ قرار بتحرير سعر الصرف الرسمي، مما يدفع بعض الأفراد إلى التحوط والبحث عن ملاذات آمنة مثل الذهب أو العقارات.

ويضيف المصدر أن في حال عدم تحرير العملة، فإنه من الممكن أن يتجاوز سعر الدولار حاجز الـ 73 جنيهًا، خاصة مع اقتراب شهر رمضان وعيد الفطر.

ومن المتوقع أن يشهد شهر مارس/آذار زيادة كبيرة في طلبات الاستيراد لتلبية الاحتياجات السائدة في أسواق شهر رمضان وعيد الفطر، مما يزيد الطلب على الدولار بشكل ملحوظ.

في خطوة تهدف إلى تنظيم استخدام العملة الأجنبية، طلب البنك المركزي المصري من البنوك الأسبوع الماضي تجميع الطلبات المتراكمة لديها للعملة الأجنبية لتسهيل استيراد السلع الاستراتيجية والمواد الخام ومستلزمات الإنتاج.

وفي سياق متصل، أعلن الرئيس المصري يوم الأربعاء الماضي حزمة دعم جديدة لمواجهة ارتفاع تكاليف المعيشة، تشمل زيادة في الرواتب ورفع الحد الأدنى للأجور للعاملين والمتقاعدين في القطاع العام، بالإضافة إلى رفع الإعفاءات الضريبية للقطاعين العام والخاص بنسبة 33%.

ويبقى سعر الصرف الرسمي للجنيه المصري مستقرًا عند 30.9 جنيه للدولار لمدة تقترب من عام.

أما في السوق الموازية، فقد شهد سعر صرف الجنيه ارتفاعًا بنحو 19 جنيهًا مقابل الدولار خلال الأسبوع الماضي، بعد أن وصل إلى مستويات قياسية عند 73 جنيهًا للدولار في نهاية يناير/كانون الثاني، ثم عاود الانخفاض مرة أخرى خلال الأيام القليلة الماضية.

تزامناً مع ذلك، رفع البنك المركزي المصري سعر الفائدة بواقع 200 نقطة أساس في وقت سابق من هذا الشهر، بينما تجري الحكومة محادثات مع صندوق النقد الدولي لاستئناف برنامج تمويل بقيمة 3 مليارات دولار، الذي تم الاتفاق عليه في ديسمبر/كانون الأول 2022، قبل أن يتوقف بسبب عدم الالتزام ببعض الشروط، بما في ذلك تغييرات في سعر الصرف.

أعلنت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي، “كريستالينا غورغييفا”، اليوم الاثنين، عن تقدم كبير في المناقشات حول الحزمة الاقتصادية الشاملة المطلوبة لاستكمال المراجعتين الأولى والثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر.

وفي سياق متصل، أشار “عمرو صالح”، أستاذ الاقتصاد السياسي والمستشار السابق في البنك الدولي، إلى وجود اتجاه قوي نحو تعديل سعر صرف الجنيه المصري في الأيام المقبلة نظرًا للفجوة الكبيرة بين السعر الرسمي والسوق السوداء.

وصرّح صالح لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) بأنه يتوقع تعديلًا في سعر الصرف، مع التأكيد على عدم تحريره بشكل كامل، مشيرًا إلى أن الحكومة لن تتخلى عن إدارة سعر الصرف في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.

وأضاف أن التحرير الكامل قد يؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار إلى مستويات تفوق أسعار السوق السوداء، نظرًا لعدم توفر كميات كافية من الدولار لتلبية احتياجات المستوردين.

مع اتساع الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق الموازية، شهدت تحويلات المصريين في الخارج انخفاضًا، كما تأثرت إيرادات قناة السويس بالهجمات التي نفذتها جماعة الحوثي في اليمن على السفن في البحر الأحمر، هذا دفع شركات الشحن الكبرى في العالم إلى تحويل مسار السفن إلى رأس الرجاء الصالح.

وفي هذا السياق، أشار عمرو صالح، أستاذ الاقتصاد السياسي والمستشار السابق في البنك الدولي، إلى أهمية تحريك سعر صرف الجنيه المصري لتحسين التقارير الدولية حول الاقتصاد المصري، وبالتالي تعزيز سوق الاستثمار.

وعلى الرغم من التحرك المحتمل في سعر الصرف الرسمي، يتوقع عمرو صالح استمرار السوق الموازية، مشيرًا إلى أنه لا يمكن القضاء عليها بالكامل.
ويرجع تقلب سعر الدولار في السوق الموازية إلى حالة الضبابية الاقتصادية التي تحيط بمصر حاليًا، مما يؤدي إلى هزات في الأسواق بسبب عدم اليقين.

وختم بالقول: “عدم اليقين هو أسوأ شيء يمكن أن يواجه الأسواق، ولا يمكن التحكم في الأسواق بقرارات إدارية، بل يتحكم فيها العرض والطلب فقط”.