نادين لبكي
نادين لبكي

رصدت بكاميرتها الواقع القبيح على مدار 126 دقيقة دون مواربة، دخلت إلى المناطق الأكثر ظلاما، حشدت الأوجاع والقضايا الشائكة لتصدم بهم الضمائر الإنسانية للمجتمعات العربية، قررت أن تكون صوت المسكوت عنهم ومن هم بلا صوت.

نجحت المخرجة نادين لبكي أن تصل بفيلمها الروائي الثالث “كفر ناحوم”، إلى العالم في مواجهة مع الوجه الآخر القبيح الذى يخشى الجميع النظر إليه، بدأ عرض الفيلم في 12 دار عرض مصرية ضمن خطة عرضه في عدد من الدول العربية، بعد محطته الأخيرة حتى الآن في النسخة الـ91 من حفل توزيع جوائز أوسكار في المنافسة على جائزة أفضل فيلم أجنبي.

“لأنهم خلفوني” كانت تلك النقطة التي انطلقت منها أحداث الفيلم، الذي تدور أحداثه حول “زين”، البالغ من العمر 12 عاما، ويقيم دعوى ضد والديه بسبب المجيء به إلى الحياة التي يعيشها ما بين الإهمال والفقر والجهل، ولكنها لم تكن تلك القضية الوحيدة التي يتناقشها الفيلم حيث يتطرق لمجموعة من القضايا منها زواج القاصرات، عمالة الأطفال، العمالة غير الشرعية، اللاجئين، والإتجار في البشر، وهو ما أدى إلى توجيه اتهامات للفيلم بالميلودرامية والسوداوية الشديدة، بالإضافة إلى مغازلة الغرب واستغلال تلك القضايا في كسب التعاطف.

ولاقى الفيلم هجوم في لبنان بعد عرضه خاصة لدى بعض السياسيين حيث تكون الدولة هى المتهم الأول أمام تفاقم تلك المشاكل التي ألقت فيها “لبكي” الضوء على الوجه الآخر للبنان، ومن جانبها أشارت نادين لبكي إلى أن تلك الأزمات لا تقتصر على لبنان فقط أو الدول العربية، بل موجودة في مختلف دول العالم ولكن بدرجات مختلفة، قائلة: “الهجوم رد فعل طبيعي، البعض أحيانا لا يرغب في مشاهدة الوضع الخارج عن المألوف، يديرون وجهوهم عن العيوب، ويقولون هذا ليس ما نحن عليه، ولكن للأسف هذا تحديدا ما نحن عليه، الوضع الحقيقي أكثر بشاعة مما يحدث في الفيلم، وكما لاقى العمل ردود أفعال سلبية لاقى أيضا ردود أفعال إيجابية”.

وعن الذي دفعها لتقديم “كفر ناحوم” ذكرت: “فكرة الفيلم نبعت من إحساسي بالمسؤولية، منظر الأولاد في الشوارع يتعرضون للتعنيف، فالأمر ليس عابر لم استطيع غض النظر عن ما يحدث وأشارك بالجريمة، ولابد أن نواجه أنفسنا بحجم الكارثة التي نتحاشى النظر إليها، فملايين الأطفل في العالم كله، يتعرضون لأنواع من الإهمال والتهميش، اختبروا مشاعر مواقف أكبر من أعمارهم الحقيقية بين الاغتصاب والجوع والتحرش فهم في حالة من الصدمة افقدتهم القدرة على الإحساس، وكل الأمور عايشتها وشهدتها خلال بحثي، فلم يكن هناك أي شيء قد اختلق أو كان من وحي الخيال، بل إن كل ما تراه هو نتاج زياراتي لمناطق فقيرة، ومراكز الاحتجاز، وسجون الأحداث”.

“كفر ناحوم” كان أقرب من السينما التسجيلية إلى الروائية، حيث حرصت “لبكي” على اختيار ممثلين غير محترفين لبطولة الفيلم، يمرون بأزمات قد تكون متطابقة مع الأزمات التي تمر بها الشخصيات في الأحداث، وفقا لحديثها مع “الوطن”، الطفل زين بطل الفيلم هو في الواقع لاجيء سوري عاش أوضاع وفترات سيئة بقدر التي قدمها الفيلم، على سبيل المثال كوثر الحداد والدة زين في الأحداث “سعاد”، تواجه أزمة في تسجيل ابنها حيث يبلغ من العمر 18 عاما، ولا يمتلك بطاقة هوية.

أما “يوردانس” التي قامت خلال الفيلم بدور “رحيل” العاملة المهاجرة التي تضطر إلى تزوير إقامة حتى تتمكن من العمل في لبنان، ولكن يتم القبض عليها وإيداعها بالسجن، تم إيقافها بالفعل بعد تصوير هذا المشهد تحديدا.

وأوضحت “نادين”: “بالفعل، تُعتبر حياة زين على أرض الواقع مشابهة لحياة شخصيته في الفيلم ومن أكثر من زاوية، وكذلك بالنسبة إلى رحيل، السيدة التي تعيش بلا أوراق رسمية، أما شخصية أم زين فقد استوحيتها من امرأة قابلتها، كانت قد أنجبت 16 طفلًا وتعيش في ظروف مشابهة للظروف التي يصوّرها الفيلم، وقد مات ستةٌ من أطفالها، فيما تُرك البعض الآخر في دور للأيتام لأنها لم تستطع أن تعتني بهم.

أما السيدة التي لعبت دور كوثر فقد كانت بالفعل تطعم أولادها مكعبات ثلج مغطاة بالسكر، وكذلك الأمر بالنسبة لـ”يوناس”، التي اعتقل والداها خلال تصوير الفيلم، الفتاة الصغيرة التي لعبت دورها واسمها “تريجر” اضطرت للعيش مع مسؤولة اختيار الممثلين لثلاثة أسابيع كاملة.

منحت كل هذه اللحظات التي اشتبك بها الواقع بالخيال مصداقيةً كبيرةً لهذا الفيلم، وحتى القاضي في الفيلم كان يعمل قاضيا في الواقع.

استغرقت تجربة “كفرناحوم” أربع سنوات من حياة نادين لبكي وفريق عمل الفيلم حتى يخرج بشكله النهائي، حيث كانت النسخة الأولى من الفيلم تبلغ 12 ساعة، حتى تم تعديلها وصولا إلى ساعتين، وقالت: “بالطبع كنت حزينة مع حذف كل تلك المشاهد، ولكن لا يستطيع جمهور السينما أن يحافظ على تركيزه إذا تخطى الفيلم تلك المدة، وهناك خطة لتقديم فيلم وثائقي عن (كفرناحوم) وحياة الممثلين”.

وتعتبر نادين لبكي هى المخرجة العربية الأولى التي تصل إلى ترشيحات جائزة أوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبي، حيث مثلت المشاركة اللبنانية للعام الثانى على التوالى بعد “قضية رقم 23″، للمخرج زياد دويري العام الماضى، قائلة: “سعيدة بوضع لبنان البلد الصغير الذي ليس لديه صناعة سينمائية على الخريطة العالمية، فنحن المخرجين اللبنانيين في كل مرة نريد القيام بعمل سينمائي تكون معركة للتمويل والكتابة والصناعة بحد ذاتها فالفرحة اليوم أننا قمنا بصناعة هذا الفيلم في المنزل وزوجي خالد ينتج للمرة الأولى وقام بعمل مميز”.

من راديو مصر علي الهوا

راديو مصر علي الهوا ... صوت شباب مصر

اترك رد

رسالتك علي الهوا