تواجه شركة آبل اليوم تحديات ومشكلات عدة تؤثر على جميع جوانب أعمالها. تشير مؤشرات متعددة إلى أن عام 2024 قد لا يكون سهلاً بالنسبة للشركة، على الرغم من النجاحات التي حققتها في عام 2023، والتي جعلت بعض المحللين يتوقعون أن تحقق آبل إنجازاً تاريخيًا بازدياد قيمتها السوقية إلى 4 تريليونات دولار في 2024. ومع ذلك، يظهر أن التعثر كان حاضرًا في الشهر الأول من العام الجديد.

التحدي الرئيسي الذي تواجهه حالياً شركة آبل يعود إلى انخفاض مبيعات آيفون في السوق الصينية. هذا التراجع في الأداء أدى إلى قرار بنك “باركليز” في يناير 2024 بتقليص توصيته لسهم الشركة، مصحوبًا بتخفيض في السعر المستهدف لسهم آبل إلى 160 دولارًا من 161 دولارًا. تظهر نتائج الأعمال الأخيرة، التي تم نشرها قبل فترة قصيرة وتغطي الربع الأخير من عام 2023، الضغوط التي تتعرض لها مبيعات آيفون في السوق الصينية، وهو العامل الذي يلقي بظلاله على الأداء العام لشركة آبل.

أظهرت النتائج المالية الحديثة لشركة آبل أن هناك تحولًا في أدائها، حيث يظهر الآيفون كالمصدر الرئيسي للإيرادات، ولكن يبدو أنه يفقد جاذبيته في السوق الآسيوية الرئيسية. تراجعت إيرادات مبيعات آبل في الصين بنسبة 13٪ على أساس سنوي، ووصلت إلى 20 مليار دولار أمريكي، خلال الربع الأخير المنتهي في ديسمبر 2023.

تلعب الصين دورًا حاسمًا في نجاح مبيعات آيفون، نظرًا لكونها ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر سوق للهواتف الذكية على مستوى العالم. تشكل الصين مصدرًا لنسبة 20٪ من إجمالي مبيعات آبل، وبالتالي، يُعتبر انخفاض هذه النسبة في المبيعات أمرًا كارثيًا للشركة التي استمرت لسنوات في الاحتفاظ بمكانة مميزة في السوق الصينية.

تأثرت أعمال آبل بشكل كبير في الصين، مما أدى إلى تراجع قيمة سهم الشركة من 192.53 دولار في آخر يوم تداول لعام 2023 إلى مستوى 185.85 دولار حاليًا. هذا التراجع في القيمة السوقية جعل آبل تفقد لقب أكثر الشركات قيمة في العالم، حيث انخفضت قيمتها إلى مستوى 2.8 تريليون دولار. في المقابل، ارتفعت قيمة سوق مايكروسوفت إلى 3.05 تريليون دولار أمريكي، مما جعلها تحتل المرتبة الأولى في هذا السياق.

ويشير المحلل والكاتب المختص في شؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ألان القارح، إلى تغيرات ملموسة في وضع آبل في السوق الصينية، مستندًا إلى أربعة عوامل رئيسية. يُشير إلى العودة القوية لشركة هواوي، وتأثير مشاعر الحذر التي يظهرها المستهلكون، إضافة إلى نقص التجديد في منتجات آبل، وأخيرًا العوامل السياسية. يوضح القارح أن السوق الصينية تعتبر أكثر سوق للهواتف الذكية تنافسية في العالم، ويعتبر التراجع البارز لآبل في هذه السوق مصدر قلق للمستثمرين، ويشير إلى إمكانية مواجهة اتجاه هبوطي طويل إذا لم تتخذ آبل خطوات فعّالة لتصحيح الوضع.

وفقًا للمحلل والكاتب المتخصص في شؤون التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، ألان القارح، تزايدت الضغوط على آبل في السوق الصيني خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 2023 بفعل العودة القوية لشركة هواوي. تميّزت سلسلة هواتف Mate 60 من هواوي بتقنية الجيل الخامس، وقد أحدثت هذه الهواتف ضجة أكبر في السوق الصينية مقارنة بالهواتف الجديدة من آيفون 15. تقارير إحصائية أظهرت أن هواوي باعت حوالي 30 مليون وحدة من أجهزة Mate 60 منذ إطلاقها في السوق الصينية في سبتمبر 2023.

ويرى القارح أن عودة هواوي لطرح هواتف رائدة بمواصفات قوية ساهمت في تحول تفضيلات العملاء، حيث قاموا بالتخلي عن فكرة شراء آيفون للانتقال نحو منتجات الشركة الصينية.

وفقًا لتحليل القارح، واجه الاقتصاد الصيني خلال عام 2023 تحديات كثيرة، بدءًا من انهيارات في قطاع العقارات إلى ضعف الطلب الاستهلاكي. نتيجةً لتباطؤ النمو الاقتصادي، بدأ العملاء الصينيون في الاحتفاظ بهواتفهم القديمة لفترات أطول. ووفقًا لشركة كاونتربوينت الاستشارية، امتدت دورة استبدال المستخدمين لهواتفهم القديمة في الصين لأكثر من 40 شهرًا، وهي مدة أطول من الفترة الزمنية السابقة. وفي ظل توخي المزيد من الحذر في الإنفاق، أصبح المستهلكون في الصين أقل استعدادًا للتخلي عن أموالهم.

ويشير القارح إلى أن آبل تواجه تحديًا آخر في السوق الصينية، وهو النقص في التجديد في تصميم هواتفها. يعبر المستهلكون الصينيون عن استياءهم من عدم طرح آبل لهاتف ذكي قابل للطي، وفي حين أن هذا النوع من الهواتف يحظى بشعبية كبيرة وينمو بسرعة في الصين، إلا أن آبل لا تزال تفتقر إلى هذه التقنية. وقد استفادت شركات أخرى مثل شاومي وهونر وغيرها من هذا الاتجاه المتزايد في السوق الصينية.

ويشير القارح إلى أن هناك تأثيرًا مستمرًا لحرب التكنولوجية بين واشنطن وبكين على مبيعات آيفون في الصين. فقد أصدرت بكين في العام الماضي توجيهات لموظفي الوكالات الحكومية والشركات المدعومة من الدولة بتجنب استخدام أجهزة آيفون وأجهزة أخرى أجنبية في أماكن عملهم. وإذا استمر تنفيذ هذا القرار خلال عام 2024، فإن ذلك قد يتسبب في تراجع إضافي في مبيعات آيفون في السوق الصينية.

ويضيف المطور التكنولوجي جوزيف زغبي، أن آبل تدرك جيدًا خطورة التحديات التي تواجهها في الصين. ولذلك، سمعنا تصريحات من الرئيس التنفيذي للشركة تيم كوك خلال الأيام القليلة الماضية، حيث أكد على خطط الشركة لتقديم مزايا الذكاء الاصطناعي التوليدي البرمجية للعملاء في العام الحالي، عبر نظام iOS. وهذا يعني أن بعض الطرازات القديمة من هواتف آيفون قد تحصل على فوائد الذكاء الاصطناعي، مما يعزز من جاذبية الطرازات السابقة ويشجع العملاء على البقاء مع منتجات آبل، حتى في حال عدم شراء طراز آيفون 16 الجديد، مما يسهم أيضًا في تعزيز مبيعات الطرازات الأقدم من آيفون.

وفي تقرير زغبي، يشير إلى ندرة الإعلانات من آبل حول خططها المستقبلية، ويفسر تصريحات كوك على أنها إشارة إلى أن الشركة تعتزم الاعتماد على التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي لدعم أعمالها في الصين. يلاحظ أيضًا أن هواتف آيفون تتميز تقنيًا بأنها تحتوي على عتاد يدعم تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما يجعلها أكثر قدرة من المنافسين الصينيين. يشير إلى أن المعالجات المدمجة في هواتف آيفون، والتي تشكل أساس الذكاء الاصطناعي، قد لا تكون متاحة في هواتف هواوي وغيرها من الهواتف الصينية التي تتأخر تقنيًا بأكثر من 5 سنوات.

ويفسر زغبي أن مزايا الذكاء الاصطناعي التوليدي البرمجية، التي تشمل معالجة الصور والفيديوهات والنصوص، ستكون نقطة محورية لجذب المستهلكين في عام 2024. ويتوقع أن تكون آبل قادرة على تعزيز جاذبية هواتفها بفضل تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، خاصةً مع تحديث نظام التشغيل iOS 18. يتوقع أن يشمل هذا التحديث إصدارًا جديدًا لمساعد الصوت “سيري”، مع قدرات تفوق ودقة محسّنة، بفضل النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs).

يُظهر زغبي أن iOS 18 قد يكون من بين أكبر التحديثات في تاريخ هواتف آيفون، حيث يتوقع أن يتيح للمستخدمين تعديل الصور بسهولة وتحديد العناصر فيها وتغييرها. ومن المتوقع أيضًا أن يتيح للهواتف فهم وترجمة المكالمات الصوتية في الوقت الفعلي، مما يمكن من التواصل دون وسيط مع أشخاص يتحدثون لغات مختلفة. يُضيف أن ميزة الترجمة المباشرة قد تسهم في ترجمة المحتوى المكتوب في الوقت الفعلي، مما يتيح للمستخدمين الدردشة بلغات مختلفة.

ويتوقع زغبي استمرار تراجع مبيعات هواتف آيفون في الصين خلال عام 2024، ولكنه يرى أن هذا الاتجاه قد يتغير في الربع الأخير من العام مع إطلاق هواتف آيفون 16 الجديدة، بالإضافة إلى تحديث نظام iOS 18 في سبتمبر 2024.