"فضل شهر ذو القعدة: تاريخه، تسميته، وأحكامه الشرعية"

أعلنت دار الإفتاء المصرية اليوم الخميس هو أول أيام شهر ذو القعدة 1445 هـ، وفقًا للرؤية الشرعية. وبالطبع، تثير هذه الإعلانات العديد من الأسئلة حول فضل شهر ذو القعدة، ولماذا يُعتبر واحدًا من الأشهر الحرم بجانب شهر الحج؟ سنقدم توضيحًا لهذا في التقرير التالي.

ذو القعدة هو الشهر الحادي عشر في التقويم الهجري، ويأتي بعد شهر شوال وقبل شهر ذي الحجة. يُعتبر أول الأشهر الحرم، وهو الشهر الذي يسبق موسم الحج. يُذكر بالخصوص في القرآن الكريم. يُعتقد أن اسمه يرتبط بمعنى “القُعود” أو التوقف عن الحرب، حيث يُشير إلى أهمية التهدئة والتوقف عن القتال في هذا الشهر وخلال فترة الحج.

شهر ذو القعدة يعد واحدًا من الأشهر الأربعة الحرم التي ذكرها النبي الشريف في الحديث النبوي، وتبرز في القرآن الكريم فضليتها وحرمتها، وتوضح ما يجب على المسلمين تجنبه خلالها. يقول تعالى: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾. [التوبة:36]. والأشهر الأربعة الحرم هي رجب، ذو القعدة، ذو الحجة، ومحرم.

جاء في السنة النبوية أنه حدثنا مجاهد بن موسى قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سليمان التيمي قال، حدثني رجل بالبحرين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع: “ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجبُ الذي بين جمادى وشعبان”.

اسم شهر ذو القعدة يعود إلى عادة العرب في القعود أو الترحال في هذا الوقت، استعدادًا لموسم الحج. يُعتبر أول الأشهر الحرم المتتالية، ووفقًا لتقاليد العرب، يتوقفون فيه عن الترحال وطلب الكلأ والميرة. قال العرب: “تتوقف فيه عن الترحال وطلب الكلأ والميرة”. والتسمية “ذو القعدة” تأتي من مشتقات “القعود”، ويمكن تصريفها بفتح القاف أو بالكسر.

ويقال تسمية شهر ذو القعدة بهذا الاسم تعود إلى عادة العرب في تقديم الاحترام والتقدير لهذا الشهر، حيث يتوقفون فيه عن القتال نظرًا لحرمته وتعظيمه. فهو أحد الأشهر التي اشتُهِرت بها العرب بالقعود عن القتال أو الترحال وطلب الكلأ، مما جعله شهرًا هادئًا في الجزيرة العربية. ويُذكر في لسان العرب: “تتوقف فيه عن الترحال وطلب الكلأ والميرة”.

وفي كتاب المصباح المنير، عند تفسير أسماء الأشهر الإسلامية، ورد أن “ذو القعدة” يأتي من تذليل القعدان، وهي تعبير يشير إلى انحناء الإبل في الركوع وانحناء الركب. وفي السريانية، يعبر “القعدان” عن الركوع وانحناء الركب، مما يُشير إلى أن اسم شهر ذو القعدة ربما كان يعكس استعداد الناس للحج، أو لأنه كان في الجاهلية شهرًا مقدسًا محرمًا حيث لا يحل فيه القتال. ويُشير أيضًا إلى أن بعض العرب كانوا يسمون هذا الشهر بأسماء مختلفة مثل “هُواع” و “وَرْنَة”.

من فضائل هذا الشهر أيضا أن  العُمرة فيه سُنَّة؛ لأن عُمرات النبي ﷺ كنّ في شهر ذي القعدة؛ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: «اعْتَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَرْبَعَ عُمَرٍ، كُلَّهُنَّ فِي ذِي القَعْدَةِ، إِلَّا الَّتِي كَانَتْ مَعَ حَجَّتِهِ: عُمْرَةً مِنَ الحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ العَامِ المُقْبِلِ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الجِعرَانَةِ، حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي القَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ». “متفق عليه”.

ومن خصائص شهر ذو القعدة والأشهر الحرم ما يلي:

  1.  أن الذنوب فيه أعظم من غيره، قال ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى: ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾. [التوبة:36]، أي في هذه الأشهر المحرمة، لأنها آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تُضاعف لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الحج:25]، وكذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام.
  2. الظلم في الأشهر الحرم يعتبر خطيئة أعظم ووزرًا أكبر من الظلم في غيرها، وإن كان الظلم بشكل عام ذنبًا كبيرًا. ومع ذلك، فالله يعظم من أمره ما يشاء، ويحكم بالعدل والرحمة في جميع الأحوال.
  3. أنه يحرم في الأشهر الحرم ابتداء القتال.
  4.  أن أعمال الحج كلها تقع في ذي الحجة، قال تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ قال البخاري: قال ابن عمر: هي شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.

دعاء ذو القعدة لفك الكرب:

1) يا عزيز يا حميد، يا ذا العرش المجيد، اصرف عني شر كل جبار عنيد، اللهم إنك تعلم أنني على إساءتي وظلمي وإسرافي لم أجعل لك ولدًا ولا ندًا، ولا صاحبة ولا كفوًا أحد، فإن تُعذب فأنا عبدك، وإن تغفر فإنك العزيز الحكيم.

2) اللهم إن همومنا قد كثرت، وليس لها إلا أنت، فاكشفها، يا مفرج الهموم، لا إله إلا أنت سبحانك، إني كنت من الظالمين، اللهم اكفني ما أهمني، اللهم إني ضعيف فقوني، وإني ذليل فأعزني، وإني فقير فارزقني وأسألك خير الأمور كلها وخواتم الخير وجوامعه.

3) حسبي الله لما أهمّني، حسبي الله لمن بغى علي، حسبي الله لمن حسدني، حسبي الله لمن كادني بسوء، حسبي الله عند الموت، حسبي الله عند الصراط، حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم.

4) اللهم اكفني ما أهمني، وما لا أهتم له، اللهم زودني بالتقوى، واغفر لي ذنبي، ووجهني للخير أينما توجهت، اللهم يسرني لليسرى، وجنبني العسرى، اللهم اجعل لي من كل ما أهمني وكربني سواء من أمر دنياي وآخرتي فرجًا ومخرجًا، وارزقني من حيث لا أحتسب، واغفر لي ذنوبي.

5) يا عزيز أعزني، ويا كافي اكفني، ويا قوي قوني، ويا لطيف الطف بي في أموري كلها والطف بي فيما نزل، اللهم إني أسألك سلامًا ما بعده كدر، ورضى ما بعده سخط، وفرحًا ما بعده حزن، اللهم املأ قلبي بكلّ ما فيه الخير لي، اللهم اجعل طريقي مسهلًا وأيامي القادمة أفضل من سابقاتها.

اترك رد

رسالتك علي الهوا