أستعير شعار احتجاجات يوم الجمعة الماضية في سوريا “صمتكم يقتلنا”؛ لأخاطب لليوم الثاني على التوالي الأغلبية الصامتة في مصر، وأدعوها لحسم اختياراتها لصالح دولة مدنية وعصرية تضمن الحرية والمساواة وتحقق العدل.
من غير المقبول أن تصمت أغلبية المصريين وهي ترى تيارات لا تقبل الرأي الآخر، وتنزع إلى تكفيره وتخوينه، تغزو المشهد العام والسياسي وتطمح للاستئثار به، لا اعتراض لديّ على وجود الإسلاميين ولا عن تعبيرهم عن قناعاتهم، فقد دافعت عن هذا كثيرا، وسأظلّ مدافعا عنه؛ فحرية التعبير عن الرأي لا تقبل التجزئة ولا بد من الانتصار لها إن أردنا بناء الديمقراطية، إلا أن البون شاسع بين هذا وبين تعبير عن رأي لا يحترم الديمقراطية برفض الرأي الآخر واستبعاده.
من غير المقبول أن تصمت أغلبية المصريين على توظيف التيارات هذه للدين ولشرع الله وللشريعة بصيغة حدية واحتكارية تخيف الناس من مجرد الحديث عن العلاقة بين الدين والمجتمع والسياسة انطلاقا من رؤى وسطية ومعتدلة، حتى حين يكون مصدر الأخيرة هو الأزهر الشريف منارة الإسلام.
من غير المقبول أن تصمت أغلبية المصريين على تيارات طردت معارضيها والمخالفين في الرأي من ميدان التحرير الجمعة الماضية، وتعقب بعض أتباعها النساء غير المحجبات وأساءوا لهن، فإن كان هذا ما فعله بعضهم في الميدان حين سيطروا عليه لبضع ساعات، فما مصير الوطن وما مصير حقوق الإنسان إن حكموه هؤلاء؟
من غير المقبول أن تصمت الأغلبية على قنوات دينية ودعاة، كانت وظيفتهم قبل الثورة الترويج لطاعة الحاكم، وعدم جواز الخروج عليه، ويمارسون اليوم تشويها منظما لمعارضيهم دون أدنى احترام لقواعد النزاهة والأمانة التي يحض عليها أيضا الدين، مَن يتهم ليبراليا اليوم بالعمالة أو الماسونية، يستطيع بالغد حين يستقر له الأمر سياسيا أن يعمم الاتهام على أحزاب وحركات ومنظمات ويقصيها ويتعقبها، ويعيد بذلك بناء نظام الاستبداد السابق.
من غير المقبول أن تصمت الأغلبية على بعض خطباء المساجد والزوايا وهم يكفرون ويخونون ويتوعدون دون اعتراض أو تسجيل لرفض، لن تأتي الديمقراطية ولن يلتزم بالحريات وحقوق الإنسان فقط عبر بوابة فعل الليبراليين والتيارات المدنية؛ فالوطن أكبر منا جميعا، فالأمل الحقيقي هو في المواطنين الواعين، وفي قدرتهم على مواجهة تجاوزات تيارات التطرف والإقصاء من خلال تحمل مسئوليتهم كمواطنين، والابتعاد -على سبيل المثال- عن مساجد ومنابر التطرف.
من غير المقبول أن تصمت الأغلبية وهي ترى المصري المسيحي يجرد من حقوقه السياسية والمدنية في برامج ومواقف هذه التيارات والمخالف في الرأي في قفص اتهام والمرأة خارج دائرة العمل العام والسياسي، الدفاع عن المدنية والديمقراطية والمساواة بين المواطنين، وكل هذا لا يخالف مقتضيات الشرع أو مبادئ الشريعة، هو مسئولية المواطن المشارك والمراقب والمحتج قبل أن يكون مسئولية التيارات المدنية.
تماما كما صدمنا جميعا من تجاوزات حدثت خلال الأيام الماضية ممن يدعون الثورية، وهددت المنشآت العامة والخاصة، ومصالح مصر العليا، ينبغي أن نشعر اليوم بالصدمة جراء خطاب التكفير والتخوين والتمييز بين المواطنين، واحتكار الحديث عن شرع الله بصورة أحادية، المطلوب هو أن تشعر الأغلبية الصامتة بالصدمة، وتنتفض في المساحات المختلفة التي تتحرك بها لرفض تعميم تحرير الجمعة الماضية على الوطن ككل.