"إعادة ابتكار الذات: خطوات نحو تحقيق الأهداف وتجاوز الروتين"

في كثير من الأحيان، ننظر إلى حياتنا ونشعر بأنها تسير بوتيرة ثابتة، بلا جديد يضيف إليها أو يمنحها معنى. نعمل في وظائف لا تثير رضانا ونتبع طرقًا يومية تفتقر إلى المتعة. حان الوقت الآن لاتخاذ القرار الذي طالما انتظرناه، وتحقيق الحلم الذي لطالما راود خيالنا وشغلنا بين أحداث الحياة. في المقال التالي، سنتناول خطوات إعادة ابتكار الذات، ونستعرض تجارب ناجحة قد تكون مصدر الإلهام الذي نحتاجه.

في عام 2002، كان ستيف سيلبربيرغ يعمل كمبرمج لدى شركة استثمارية براتب مريح يصل إلى ستة أرقام. ورغم ذلك، لم يكن سعيدًا. يصف سيلبربيرغ شعوره بالقول: “كنت محبطًا من الحياة المؤسسية. وكانت مشكلة كبيرة بالنسبة لي هي استراتيجية الشركة الاستثمارية التي أعمل بها؛ فـ “إذا كانوا يرون ربحًا من إزالة الغابات أو تلويث المجاري المائية، فإنهم يستثمرون فيه.” كان ذلك يتناقض تمامًا مع حبه للطبيعة. كما كانت المتطلبات اليومية في العمل تثبط همته. يقول: “كنت أجلس في مكتبي كل يوم أفكر في كيفية الخروج إلى البرية أكثر. كنت أرغب في السفر بحقيبة الظهر، ربما ليس بشكل يومي، بل بشكل ربع سنوي. ألن يكون ذلك رائعًا؟”.

عندما بلغ سيلبربيرغ سن الأربعين، أدرك أنه يسبق والده بخمسة عشر عامًا، الذي توفي بسبب مرض السرطان في ذلك العمر. يقول سيلبربيرغ: “لم يفعل والدي أبدًا الأشياء التي كان يقول إنه يريد القيام بها، مثل السفر أو القيام برحلة بحرية. وأدركت أن هذه الأمور مهمة بالنسبة لي، وأن الوقت قد حان لتحقيقها”. بدأ سيلبربيرغ في التخطيط لمشروع جديد، يتمثل في توجيه الرحالة عبر أجمل الأماكن الطبيعية في أمريكا، حيث يمكنه الاستمتاع بالمناظر وتحسين صحته في الوقت ذاته. رغم أن هذا المشروع لن يكون مستقرًا أو مربحًا مثل عمله في البرمجة، إلا أنه كان مستعدًا للمخاطرة. يقول: “لم يكن لدي زوجة أو أطفال، مما منحني حرية التجربة والفشل”.

في العام الماضي، قاد سيلبربيرغ 12 رحلة ونجح في تأمين لقمة عيشه من عائدات مشروعه للترحال “فيت باكينج”. يقول سيلبربيرغ: “أكسب ربع ما كنت أحققه من المال سابقًا، لكن حياتي أصبحت رائعة للغاية. على سبيل المثال، ذهبت للتزلج البارحة، وخلال يومين سأقوم بإرشاد مجموعة عبر حديقة بيج بين الوطنية”.

الذات دائمة التغير:

يحلم الكثيرون بمستقبل يختلف تمامًا عن حاضرهم، مثل العيش في مكان ساحر كهاواي بدلاً من مكانهم الحالي، أو الانتقال من حياة العزوبية إلى حياة الأسرة. لكن الانتقال من الوضع الحالي إلى ما نرغب فيه ليس بالأمر السهل، لأن هناك قوى نفسية قوية تعيق عملية إعادة الابتكار. من طبيعتنا أن نركز على المخاوف اليومية في المقام الأول، وغالبًا ما تكون رؤيتنا للمستقبل غير واضحة أو مشوشة. حتى إذا كنا نركز على المستقبل، فإننا نخشى أن نلاحق ما قد يتبين أنه مجرد أحلام خاطئة.

في كثير من الأحيان، نستسلم في اللحظة التي نحتاج فيها فقط إلى دفعة إضافية للأمام، أو نواصل السير عندما ينبغي علينا التوقف. بدون تقييم دقيق لحاضرنا ومستقبلنا، واتباع نهج فعال لوضع الأهداف ومتابعتها، قد نواجه مستقبلاً لا نرغب فيه حقًا. قد نجد أنفسنا مرضى، مفلسين، وحيدين، أو حتى غير قادرين على تحقيق ذاتنا.

فما الذي يمكن أن يفعله الحالم إذن؟

تقول رافينا هيلسون، أستاذة علم النفس في جامعة كاليفورنيا في بيركلي: “علينا أن نعدل هوياتنا بينما نتقدم في الحياة”. وقد قادت الأستاذة هيلسون “دراسة ميلز”، التي تتبعت حوالي 120 امرأة فوق سن الخمسين، وأجرت فحصًا للسمات الشخصية، والتأثير الاجتماعي، والتنمية الشخصية. أثبتت الدراسة أن الوقت لم يفت أبداً لإعادة ابتكار الذات. وتضيف هيلسون: “حتى في سن الستين، يمكن للأشخاص أن يسعوا ليصبحوا ما يرغبونه”. في دراسة ميلز، أظهرت حوالي 12 امرأة تتراوح أعمارهن بين 60 و70 عامًا تغيرًا إيجابيًا في شخصياتهن.

ولكن من الحكمة أن تبدأ مبكرًا. يقول آرت ماركمان، أستاذ علم النفس في جامعة تكساس في أوستن ومؤلف كتاب “التغيير الذكي”: “لا يمكنك إنجاز الأمور الصعبة في يوم واحد، أو حتى في أسبوع، أو في حالتي، حتى في 12 عامًا ونصف”. قبل أكثر من عقد، قرر ماركمان تعلم العزف على الساكسفون للانضمام إلى فرقة موسيقية، ويضيف: “يجب أن تمنح نفسك وقتًا كافيًا لتحقيق هدفك بشكل فعلي”.

يحذر ماركمان من أنه إذا لم يكن لديك أهداف طويلة المدى، فقد تجد نفسك مشغولًا بالقيام بالكثير من الأمور اليومية الصغيرة مثل تنظيف المنزل، إرسال البريد الإلكتروني، أو مشاهدة التلفزيون، دون أن تحقق أي تقدم نحو مستقبلك. هذا يمكن أن يجعلك تشعر بعدم الراحة وعدم الإشباع. يقول ماركمان: “الأشياء الكبيرة في الحياة، مثل الأبوة أو أن تصبح خبيرًا في مجال ما، هي التي تعطي الحياة نكهتها”. كيف يمكنك أن تعرف ما يجب أن تسعى لتحقيقه؟ يوصي ماركمان بأن تتخيل نفسك في المستقبل وتسأل: “ما الذي سأندم عليه إذا لم أفعله؟” ثم استخدم هذه الرؤية كوسيلة لتخطيط حياتك وتجنب تلك النهاية.

كن صادقا مع مستقبلك:

قبل أن تتمكن من إعادة ابتكار نفسك، من الضروري أن تعرف من أنت حاليًا، وفقًا لروبرت ستيفن كابلان، عميد كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد ومؤلف كتاب “ما أنت مقدر لفعله حقًا”. يقول كابلان: “يحتاج الناس إلى فهم نقاط قوتهم وضعفهم، وعواطفهم، وقصصهم الشخصية، ومن ثم يمكنهم التأمل في ما يجري حولهم في العالم ومحاولة التكيف مع الفرص المتاحة”. يكمن التحدي في تقييم الذات في أن معظمنا يميل إلى التوهم بأن لدينا قدرات فوق متوسطة، رغم أنه من غير الممكن أن يكون الجميع كذلك.

لذلك، من الضروري أن تكون صادقًا تمامًا مع نفسك في تقييم ذاتك والجهد المطلوب لتحقيق إعادة ابتكارك. ناقش أحلامك مع الأشخاص الذين يهتمون بك ويعرفونك جيدًا، والذين تثق في أنهم سيكونون صادقين معك بشأن نقاط قوتك وضعفك. هؤلاء الأشخاص يمكنهم مساعدتك في تحديد مهاراتك وتوضيح شغفك الحقيقي.

عيّن أهدافا حقيقية واتخذ إجراءات حقيقية:

عند تخطيطك لإعادة ابتكار ذاتك، حاول أن تكون واقعيًا قدر الإمكان. كما يشير بيتر غولويتزر، أستاذ علم النفس في جامعة نيويورك والمتخصص في أهداف الهوية، “لا يجب أن تكون متفائلًا بشكل مفرط خلال مرحلة الانتقال، لأن ذلك قد يدفعك لاختيار الهدف الخاطئ”. من المهم أيضًا أن تدرك أن أهداف التعلم أو الأهداف التي تتطلب إجراءات عملية تكون أكثر واقعية وقابلية للتحقيق مقارنةً بأهداف الأداء أو النتائج النهائية. لذا، بدلاً من تحديد هدف “أن تصبح طاهًا كبيرًا وشهيرًا”، قرر أن “تتعلم الطهي بشكل جيد” كهدف ملموس وممكن التحقيق.

هيئ نفسك للنجاح:

من المحتمل أن يتطلب التجديد خلق عادات إيجابية وبناءة جديدة لتخليك عن الروتين الذي اتبعته لسنوات. أثناء قيامك بذلك، ستبدأ في بناء ردود فعل جديدة وتذكيرات داخلية لما ينبغي عليك فعله. على سبيل المثال، إذا كان اليوم هو الثلاثاء والساعة السادسة صباحًا، ستعرف أنه حان وقت مغادرتك لحصة الفن، مما سيساعدك على تجهيز لوازمك وإدخالها في السيارة بدلاً من التفكير في أعذار للبقاء في المنزل.

إن تبني عادات جديدة هو وسيلة فعالة لمواجهة الجمود الذاتي. يقول بعض الأشخاص: “أريد أن أتزوج، لكنني سأنتظر وأرى ما سيحدث”. وهذه طريقة غير محددة لتحقيق الهدف، حسبما يشير مايير. يضيف: “إذا قلت بدلاً من ذلك، أود أن ألتقي بشخص جديد كل بضعة أسابيع، فإن هذه الخطة تزيد من احتمالية العثور على شريك”.

توقع العقبات:

في تسارع الأحداث، اقتنيت آلة البيانو وكراسة النوتات الموسيقية، وعثرت على أستاذ، وتعلمت أغنيتك الأولى. لكنك الآن تدرك أن الطريق نحو تحقيق الاحتراف ما زال طويلاً، وهذا هو الوقت المثالي لتعزيز تفاؤلك. كما يقول غولويتزر: “إذا كنت على الطريق وبدأت تشعر بالإرهاق، تحتاج إلى دفع نفسك نحو هدفك”. لدينا الكثير من الطاقة وقوة الإرادة لنستعين بها يوميًا، ولكن إذا كنا قد استخدمناها بالفعل في اتخاذ قرارات صعبة في العمل، فقد لا يتبقى لنا طاقة كافية لقضاء أمسية في المتحف أو حضور دورة مالية في المدرسة الليلية.

هذا النموذج لقوة الإرادة، الذي وصفه روي بوميستر وزملاؤه لأول مرة، يُعرف بـ “نضوب الأنا”. من الضروري أن تكون واعيًا لهذا الأمر وتبقى حذرًا منه. لتظل إيجابيًا ومتحفزًا، ابحث عن طرق لتتبع إنجازاتك أثناء تقدمك. فقد أظهرت الدراسات أن تدوين أهدافك يزيد بشكل كبير من احتمالية تحقيقها.

إعادة تقييم دائمة:

لا يعيش الجميع حياتهم وهم يسعون لتحقيق أحلام طفولتهم، كما يقول كابلان: “العالم من حولنا ليس ثابتًا، وأنت نفسك لست ثابتًا”. قد لا تكون أحلامك اليوم هي نفسها أهدافك بعد سنتين أو ثلاث سنوات أو حتى خمس سنوات. وحتى إذا كانت كذلك، فإن التقدم الذي تحرزه اليوم نحو تحقيقها قد لا يرضيك في المستقبل.

تابع تقدمك في إعادة ابتكار ذاتك بشكل سنوي. يستخدم بعض الأشخاص أعياد ميلادهم أو العطلات الصيفية أو بداية العام الجديد لتقييم ما إذا كانوا يتجهون في الاتجاه الصحيح، أو إذا كانوا بحاجة لتعديل أهدافهم. وقد أظهرت دراسة فرنسية حديثة تتبعت 704 من كبار السن على مدى ست سنوات أن أولئك الذين كانوا مرنين بما فيه الكفاية لضبط أهدافهم حققوا مستويات أعلى من الرضا عن حياتهم.

احتفل بالنجاح:

عندما ننجح في إعادة ابتكار ذاتنا، نشعر بالفخر والإنجاز والرضا. راندولف، على سبيل المثال، لا تنسى أبدًا الفرح الذي شعرت به عندما نام ابنها لأول مرة في حضنها، وتقدّر كل يوم تلك اللحظات الصغيرة من الأمومة. أما ستيف سيلبربيرغ، الذي تحول من مبرمج إلى مشروع “فيت باكينغ”، فيشعر بالنشوة في كل رحلة عندما تصل مجموعته إلى أعلى مرتفعات إليزابيث باس في سيكويا وحدائق كينجز كانيون الوطنية، أو قمة إيموري الشهيرة. هذا الشعور لم يختبره يومًا كمبرمج، ويجعل كل الجوانب السلبية لإعادة ابتكاره لذاته — مثل انخفاض الأجر، والطبيعة الدورية لحجوزات السفر، وعزلة العمل الخاص — تستحق الجهد. يقول سيلبربيرغ: “أنا كبير في السن بما يكفي لأكون ساخراً، لكنني أعتقد أن هذا الشعور سينمو، وأرى أشياء جيدة في المستقبل”.

اقرأ ايضاً: كيف يمكن للأخطاء أن تكون دافعًا للتطور والنمو

اقرأ ايضاً: كيفية إنشاء عادات يومية صحية ومستدامة

اقرأ ايضاً: عادات صباحية لتحسين إنتاجيتك: كيف تبدأ يومك بشكل صحيح

لا تعليق

اترك رد