كنا، ولا نزال، نلاحظ وجود لوحات صغيرة على عدد من المباني المتناثرة في أنحاء العاصمة، وكانت كل لوحة تحمل عبارة قصيرة واحدة تقول: “ممنوع الاقتراب أو التصوير”.

ومفهوم ضمناً، بالطبع، أن كل مبنى منها تابع للقوات المسلحة، وكنا، ولا نزال أيضاً، نتفهم المبررات القوية التي تدعونا إلى الابتعاد عن هذه المباني أو المعسكرات، وعدم الاقتراب منها، وتجنّب تصويرها!

ولا بد أن كل واحد بيننا سوف يتبين له في هذه اللحظة أن مثل هذه العبارة التقليدية التي كانت توضع على جدار معسكر هنا أو باب مخزن هناك أحق الآن بأن تكون معلقة على جبين القوات المسلحة كلها، ككيان واحد كبير، بحكم حجم العبء الذي يقع على كاهلها، منذ أن تخلى الرئيس السابق عن منصب رئيس الجمهورية في 11 فبراير الماضي.

القوات المسلحة في وقتنا الحالي هي العمود الفقري بالمعنى الحرفي لهذا البلد، وهي حائط الصد الأخير بالنسبة لنا، وهي خلاصنا الوحيد، وهي… وهي… إلى آخر هذه المعاني التي من هذا النوع، وبالتالي فنحن مدعوّون إلى مناصرتها بكل قوة، والوقوف إلى جوارها كاملاً، في كل موقف، وأكاد أقول إننا يجب أن نناصرها، ليس فقط بالحق، وإنما كذلك بالباطل، إذا كان هناك باطل يمكن أن يعترض طريقنا في اتجاه الوقوف بجانبها، لا لشيء إلا لأننا بدونها -لا قدّر الله- لن نجد حائطاً قوياً نرتكن عليه!

وإذا كانت المطالب الفئوية التي تنطلق كل يوم في مكان؛ من أجل تحسين مستوى دخل فئة هنا، أو رفع أجور طبقة هناك، تشبه موجات البحر التي تضرب الشاطئ فتنحره يوماً بعد يوم، فإنها إذا وصلت إلى ما يمكن أن يؤثر على القوات المسلحة فيجب أن تتوقف على الفور، وتنتبه، وتأخذ حذرها؛ لأن النحر إذا كان جائزاً في أي شاطئ في مجتمعنا، فإنه لا يجوز مطلقاً في أي شاطئ يستند إليه الجيش!

وبطبيعة الحال، فإن هناك فارقاً بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والقوات المسلحة ذاتها، فالأول وجد نفسه فجأة في عمق الأحداث، وأصبح عليه منذ 11 فبراير أن يدير، وأن يحكم، وأن يصبر، وأن يطيل البال إلى حدود معينة، وأن يكون مرناً، وأن يتقبل النقد لأعضائه، وأن يستجيب لمطالب المصريين الموضوعية.. أما القوات المسلحة فهي بعيدة عن ذلك كله، وهي تتمتع بمكانة خاصة جداً، في وجدان كل مصري، وهي كانت، ولا تزال، الحصن الذي نحن على يقين من قدرته الكاملة على حماية البلد وتأمينه في كل الأوقات وكل الظروف.

ولذلك كله، فإن كل واحد فينا مدعوّ إلى أن يتصرف بأكبر قدر ممكن من الإحساس بالمسئولية، إذا كان طرفاً في أي تعامل مع قواتنا المسلحة، أو لم يكن طرفاً، ومدعو أيضاً إلى أن يقدّم ضميره الوطني، في حالة كهذه، على كل شيء آخر، وهو يتطلع إلى جيش بلده.

لا نقول هذا الكلام، على سبيل النفاق للمؤسسة العسكرية، كما قد يحاول البعض أن يفعل الآن، وإنما نقوله لأنه ضرورة، ولا بد أن أي نفاق في هذا السياق سوف يفسد هذه الضرورة، وسوف يهينها، وسوف يسيء إليها.

مدعوّون جميعاً لمناصرة مؤسستنا العسكرية، بالحق وبالباطل أيضاً، إلى أن نعبر هذه المرحلة الانتقالية الصعبة بأمان، ويكون عندنا دستور محترم وبرلمان منتخب ورئيس منتخب، وعندها فقط يمكن أن يكون لنا حديث آخر في هذه القضية!

من راديو مصر علي الهوا

راديو مصر علي الهوا ... صوت شباب مصر

اترك رد

رسالتك علي الهوا