قد تكون اللحظة التي تكتشف فيها أن طفلك قد كذب عليك مفاجئة ومخيفة. ولكن، من المهم أن تدرك أن الكذب لدى الأطفال لا يحدث بدون سبب، وفقًا لعلماء النفس. يمكن أن تشعر بالقلق أو تبدأ في مراجعة أساليبك التربوية، لكن هناك أسباب متعددة قد تدفع الأطفال إلى الكذب. الخبر الجيد هو أن الكذب أحيانًا يمكن أن يكون له دلالات إيجابية، مثل أنه يعكس النمو الإدراكي السليم لطفلك ورغبته في اختبار ردود فعلك تجاه كذبه وتدبيره.
لكن لا تقتصر أسباب كذب الأطفال على ما سبق ذكره؛ أحيانًا قد تكون أنت السبب في دفعهم للكذب، وفي أحيان أخرى يجب التمييز بين الخيال والكذب.
ماذا يجب أن أفعل عندما يكذب طفلي؟
- كُن قدوة وعزّز أهمّية الصدق:
يجب على الآباء أن يدركوا أن الأطفال لا يدركون مفهوم الكذب من الناحية الأخلاقية كما يفعل الكبار، حيث يتطور فهمهم لأهمية الصدق تدريجيًا. تلعب البيئة المحيطة دورًا كبيرًا في تحويل الكذب من مجرد عادة سيئة إلى سلوك يومي عادي. وفقًا لنظرية التعلم الاجتماعي، يتعلم الأطفال معظم سلوكياتهم من خلال ملاحظة الأشخاص الذين يحيطون بهم.
ببساطة، يتعلم الطفل الكذب عندما يرى والديه يكذبون. في بعض الأحيان يوصونه بقول الحقيقة، وفي أوقات أخرى يطلبون منه أن يقول إنهم غير موجودين عندما يطرق أحدهم الباب، مما يُعلمه أن الكذب لا يضر طالما لا يمكن اكتشافه. لذلك، يحتاج الطفل أولاً إلى فهم سبب أهمية الصدق: هل لأن الحقيقة مهمة بحد ذاتها، أم لأن قول الصدق هو الأهم مهما كانت التكاليف؟
ليس الهدف هو أن يتوقف طفلك عن الكذب تمامًا، بل يجب أن يُعزز لديه مفاهيم الصدق والشجاعة والثقة والقدرة على حل المشكلات دون اللجوء إلى الكذب. يكتسب الطفل هذه الصفات من خلال مراقبة سلوكك ومحاكاة أساليبك في التعامل مع المشكلات وعاداتك اليومية في التواصل الاجتماعي.
- أبقِ الحِوار هادئًا عند اكتشاف الكذبة:
ابقَ هادئًا عندما تكتشف أن ابنك يكذب، لأن الصراخ سيخيفه، بينما الغضب قد يؤدي إلى عواقب أكثر تعقيدًا. بعد أن تهدأ الأمور، تحدث معه واشرح له العواقب والمساوئ المرتبطة بالكذب، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك على مشاعر الأشخاص الذين يهتمون به. هذا سيساعده على تطوير ذكائه العاطفي وقدرته على رؤية الموقف من زوايا مختلفة.
من المهم أيضًا تجنب نعت الطفل بالكاذب وبدلاً من ذلك، اطلب منه أن يخبرك بالحقيقة بهدوء. عندما تكرر نعت الطفل بالكاذب، قد يصدق ذلك ويبدأ في رؤية نفسه على أنه أسير لهذه العادة، مما يجعل من الصعب تعديل سلوكه لاحقًا. في كثير من الأحيان، يتقن الطفل التصرفات السيئة عندما يعتقد أنه لا يوجد تصرف يمكن أن يرضي والديه، وأنه لا توجد طريقة ليحظى بحبهم، لأنهم يستمرون في تعليقه بالذنب الذي ارتكبه مرارًا وتكرارًا.
- حدّد مَنبع الكذب:
اطرح عليه أسئلة تساعدك في فهم دوافعه للكذب من وجهة نظره. على سبيل المثال، لماذا يصر على أنه غسل أسنانه رغم أنه لم يفعل ذلك؟ حاول اكتشاف ما دفعه لإخفاء الحقيقة؛ هل هو خائف منك، أم أنه لا يحب غسل أسنانه لأنه لا يستسيغ طعم المعجون؟ أم أنه يبحث عن لفت انتباهك ولا يجد طريقة للتواصل معك سوى من خلال هذا السلوك؟
تلعب التجارب السابقة أيضًا دورًا مهمًا في تحديد سلوك الطفل الحالي. قد يكون الطفل يكذب بسبب خوفه من رد فعلك بناءً على تجربة سابقة، مثل عندما وبخته بشدة على هدر الماء.
- لا تنصب له فخًا:
يقع العديد من الآباء في خطأ تربوي شائع عند محاولة إجبار الطفل على الاعتراف بكذبه أو تعريضه للإحراج. إن إجبار الطفل على الاعتراف ليس الطريقة المثلى للتعامل مع الكذب. بدلاً من ذلك، من الأفضل أن تطلب منه أن يعدك بقول الحقيقة قبل أن تسأله، حيث إن هذا الوعد يمكن أن يعزز ميله إلى الصدق. لكن لا تُجبره على قول الحقيقة، لأن ذلك قد يزيد من خوفه وقلقه.
عندما يرفض الطفل الاعتراف بخطئه أو يمتنع عن قول الحقيقة، التصرف الأمثل هو أن تخبره ببساطة أنك متأكد من أن ما يفعله غير صحيح، وطمئنه بأن الأمر بسيط ويمكنكما حل المشكلة معًا. تجنب الضغط والتحقيق والصراخ، حيث إن هذه الأساليب قد تعقد المسألة وتزيد من إصرار الطفل على إخفاء الحقائق، مما يعزز من كذبه في المستقبل عندما يواجه مواقف مشابهة.
- لا تُبالغ في العقاب:
التهذيب لا يأتي من العقاب كما يُشاع، إذ تشير الدراسات إلى أن تربية الطفل في بيئة تعتمد على العقاب كوسيلة للتصحيح غالبًا ما لا تحقق الهدف المنشود. فالاستخدام المستمر للعقاب كوسيلة تربوية داخل الأسرة قد يؤدي إلى التمرد والغضب والنفور عندما يصل الطفل إلى مرحلة يشعر فيها بالاستقلالية، أو عندما تنقلب موازين السلطة في الأسرة ويشعر الطفل بالقدرة على التحدي والرفض. لذا، فإن استيعاب الطفل والحوار الهادئ يعتبران من الطرق المثلى للحد من الكذب وتقليله.
- شجّعه على قول الحقيقة:
امتدح طفلك كلما أجابك بصدق، حتى وإن كانت الإجابة غير مريحة، وأظهر احترامك لشجاعته. عزز هذا السلوك بمكافآت رمزية، مثل الخروج معًا لتناول وجبة لذيذة، وأظهر له امتنانك للثقة المتبادلة بينكما رغم المشكلات والأخطاء التي قد يرتكبها. كما يُفضل أن تروي له قصصًا تُبرز إيجابيات الصدق، بدلاً من التركيز على سلبيات الكذب وعواقبه الوخيمة، لأن القصص التي تركز على عواقب الكذب قد تجعل الطفل يطور مهاراته في الكذب بدلاً من تشجيعه على الصدق. لذا، احرص على تشجيع الصدق ومدحه أكثر من انتقاد الكذب ومهاجمته.
- ضع خطًا فاصلًا بين الحقيقة والخيال:
الخيال هو عالم خصب للأطفال للتسلية والاستمتاع، وهو عنصر مهم في نمو إبداعهم وقدراتهم الإدراكية. دورك كراعي لطفلك هو تشجيعه على تطوير خياله وتنمية قدراته الإبداعية، ولكن أيضًا يجب أن توضح له الفرق بين الواقع والخيال. هذا ينطبق بشكل خاص على قصص ما قبل النوم أو أثناء الدروس للأطفال دون الرابعة من العمر. على سبيل المثال، إذا قال طفلك إنه دخل شاشة التلفاز وقابل المذيع، امدحه على خياله الخصب وأخبره أن قصته رائعة ويجب أن يكتبها في كتاب. في نفس الوقت، أعده إلى الواقع بزيارة محطّة التلفاز، إذا كان ذلك ممكنًا، ليرى العالم الحقيقي للتلفاز ويدرك أنه مجرد وسيط ينقل الصوت والصورة.
في حالات نادرة، قد يشير الكذب إلى مشكلة نفسية جوهرية، لكن الكذب المرضي عادة ما يكون مصحوبًا بأعراض أخرى. إذا كان الطفل يكذب باستمرار في جميع الأسئلة وكل تفاصيل حياته، ويتحول الكذب إلى سلوك يومي يتضمن تزييف الحقائق دون مبرر، فاستشارة مختص نفسي لتقييم الحالة قد تكون ضرورية. أما في الحالات غير المرتبطة باضطرابات نفسية، يجب أن تتذكر أن الكذب هو وسيلة الطفل الأولى للتكيف مع الحياة الاجتماعية. يمكن ضبط عادة الكذب من خلال نقاشات هادئة وناضجة حول أهمية قول الحقيقة، ومنحه الثقة للتعبير عن مشاعره وأفكاره بدون خوف من العقاب أو الحرمان. هذا سيساعد الطفل على تجنب الكذب مع تقدم العمر، ويعزز مهاراته الاجتماعية الإيجابية من خلال الصدق والإفصاح الناضج.