رحل عن عالمنا في هذا الشهر الفضيل العديد من نجوم الفن والغناء؛ وكان آخرهم أمس الأول (الإثنين) الفنان القدير كمال الشناوي “دنجوان السينما المصرية”، والذي ظل محافظا على تألّقه على الشاشات لمدة 62 عاما، حيث بدأ في أواخر الأربعينيات، واستمرّ في التمثيل حتى بداية الألفية، محافظا على نفس الأسلوب التلقائي الذي ميّزه وتفرّد به.
بداياته
كمال الشناوي من مواليد 26 ديسمبر 1922 في مدينة المنصورة، كان عضوا في فرقه المنصورة الابتدائية, وتخرّج في كلية التربية الفنية جامعة حلوان، والتحق بعدها بمعهد الموسيقى العربية, ثم قام بتدريس التربية الفنية بالمدارس الثانوية لمدة سنتين.
كما عمل كفنان تشكيلي، وأقام مجموعة من المعارض التشكيلية، وبعد اكتشافه في السينما كان عليه أن يترك الوظيفة وأن يتفرّغ للسينما تماما.
كانت بدايات كمال الشناوي في السينما في عام 1948؛ إذ مَثّل أول أفلامه “غني حرب”، وفي نفس العام “حمامة سلام” و”عدالة السماء”.
كمال الشناوي في عيون أصدقائه
كان رحيل الدنجوان بمثابة الصدمة للعديد من أصدقاء الفنان الراحل؛ لذا كان لـ”بص وطل” مجموعة من اللقاءات مع أصدقاء وزملاء الفنان الراحل؛ حيث كانت البداية مع الفنانة القديرة زبيدة ثروت التي قالت عنه بعد رحيله: “إن رحيل كمال كان بمثابة الصدمة لي؛ خاصة أنه كان من المقربين لي أثناء عملي بالتمثيل، ورغم ذلك كنت أشعر بالتقصير تجاهه دائما خلال الفترة الأخيرة رغم عدم علمي بمرضه”.
وأضافت: “كان من أبرز الأعمال التي اشتركتُ فيها مع كمال فيلم “شمس لا تغيب”، الذي حقق نجاحا كبيرا عند عرضه؛ حيث إن كمال أثناء التصوير كان شخصا طيبا ومخلصا لعمله للغاية، وكان يحبّ مساعدة من حوله؛ لدرجة أنه كان يساعد شقيقي كمال الذي قام بدور شقيقي الأصغر في هذا العمل، وكان يسدي له النصائح باستمرار في أولى تجاربه التمثيلية”.
بينما قالت الفنانة المعتزلة شمس الباروي: “بمجرد علمي بهذا الخبر الأليم قمت بالدعاء له قائلة: اللهم اغفر له وارحمه، وأكرم نزله، ووسّع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقيه من الذنوب والخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس”.
وأضافت: “كمال كان فنانا يعشق الفن لذاته، ولم يكن يلهث وراء المال مثلما يفعل نجوم هذا الجيل؛ لذلك فالفن فَقَدَ ابنا من أبنائه المخلّصين، ولكن ستظلّ أعماله تتحاكى عنه، وستجعله خالدا أبد الدهر”.
نجوميته
لعب كمال الشناوي أدوار شخصيات متنوعة منذ شهرته في أواخر الأربعينيات، من بينها أدوار الشاب الوسيم المستهتر الذي يوقع الجميلات في حبائله، مقدما أدوار الشر ضمن المعادلة الفنية التي كانت سائدة في الخمسينيات والستينيات.
واستطاع أن يُقدّم في مراحل لاحقة من عمره الفني الكثير من التنويعات على شخصيات الشر والخير والكوميديا؛ محافظا على تألقه في الأداء في غالبية الأعمال التي قدمها على الشاشة الكبيرة والصغيرة.
عمِل كمال الشناوي مع غالبية المخرجين الذين عاصروه مثل: صلاح أبو سيف، وعاطف سالم، ويوسف شاهين، وحسين كمال، وإيناس الدغيدي، وغيرهم… وكان يُشارك في بداياته في أكثر من ستة أفلام كل عام، وصلت في عام 1955 إلى عشرة أفلام دفعة واحدة.
كذلك شارك في أدوار البطولة في الأفلام والمسلسلات التي قدّمها الكثير من النجوم؛ من بينهم: إسماعيل ياسين، وفريد شوقي، وعبد المنعم إبراهيم، وعمر الحريري، وحسن رياض.
قدّم كمال الشناوي ما يزيد على 272 فيلماً سينمائياً من عام 1947 حتى عام 2008، بما فيها أربعة أفلام من إنتاج خارجي، منها فيلم إنتاج لبناني هو “البدوية العاشقة” عام 1963، وفيلم إنتاج مشترك هو “على ضفاف النيل” مع اليابان عام 1962، وفيلم إنتاج سوري بعنوان “الرجل المناسب” عام 1969، وفيلم إنتاج مشترك مع تركيا عام 1970 هو “لصوص على موعد”.
وتعامل كمال الشناوي مع ما يقرب من أربعين ممثلة سينمائية، كانت الفنانة المعتزلة شادية صاحبة أكبر رصيد من الأفلام التي شاركته البطولة فيها، وبلغ عددها 32 فيلماً؛ أولها “حمامة سلام” عام 1947، وآخرها فيلم “الهارب” عام 1975.
كمال الشناوي في عيون أصدقائه
يستمر “بص وطل” معكم في لقاءاته مع أصدقاء وزملاء الفنان الراحل؛ حيث قال الفنان الكبير عمر الحريري: “فقدت صديقي وعزيزي كمال الذي أعتقد أنه في مكان أفضل مما نحن عليه الآن؛ نظرا لأخلاق هذا الرجل الكريمة، حيث أدعو المولى -عز وجل- أن يتغمده برحمته ويسكنه فسيح جناته”.
وأضاف: “بالتأكيد الكل يتذكر فيلم “سكر هانم” الذي يعدّ من علامات السينما المصرية، وأتذكّر المواقف الطريفة التي حدثت في هذا العمل وانعكست وقتها على الشاشة”.
واستطرد: “دائما كنت أقول له: نفسي أشوفك في دور كوميدي زي “سكر هانم”، وهو ما كان يضحكه بشدة، ولكن بعد رحيله فستظلّ أعماله التي تؤكّد أننا فقدنا رائدا من رواد الفن المصري”.
وقالت الفنانة وفاء عامر: “فقدنا هرما من أهرامات الفن في مصر فهذا الفنان العملاق الذي تركنا بجسده، ولكن روحه ستظل خالدة من خلال أعماله التي أمتعنا بها على مدار تاريخه الذي امتد لسنوات وسنوات”.
وأضافت: “كان لي الشرف أن عملت معه من قبل في فيلم “الواد محروس بتاع الوزير”؛ حيث استفدت منه في كيفية احترام المواعيد، وبالرغم من كونه فنانا كبيرا فإنه كان يستمع لتعليمات المخرج بإنصات شديد وكأنه ممثل مبتدئ”.
واستطردت: “كنت أتمنى حضور جنازة الراحل إلا أن تواجدي في مارينا حاليا منعني الوصول في وقت الجنازة، إلا أنني سأحرص على تقديم واجب العزاء لأسرته”.
الدنجوان يحافظ على تألقه
ظل الدنجوان على مدار 62 عاما محافظا على مكانته وتألقه وسط العديد من النجوم مستطيعا أن يغير جلده وطريقته في التمثيل مع كل فترة زمنية؛ لتتناسب مع هذه الفترة، وليضيف من خبراته ويتعامل مع كل جديد، ويساعد كل صغير أو كبير يدخل المجال.
وفي استفتاء أحسن مائة فيلم مصري الذي أجراه مهرجان القاهرة السينمائي عام 1996 بمناسبة مئوية السينما المصرية، حصل كمال الشناوي على المركز الثالث بعد رشدي أباظة بفارق أربعة أفلام، وشكري سرحان بفارق فيلمين فقط، وبرصيد ستة أفلام اختيرت ضمن المائة فيلم هي: “اللص والكلاب”، و”المستحيل”، و”أمير الانتقام”، و”المذنبون”، و”الرجل الذي فقد ظله”، و”الكرنك”.
وقدم الدنجوان عددا من الثنائيات الناجحة في السينما المصرية أشهرهم الثنائي الناجح بينه وبين الفنانة المعتزلة شادية، وإسماعيل ياسين، وفاتن حمامة؛ حيث قدم مع كل منهم أفلاما ناجحة ظلت محفورة في ذهن المشاهد العربي.
كما نال كمال الشناوي في حياته العديد من الجوائز؛ منها جائزة شرف من مهرجان المركز الكاثوليكي في عام 1960، وجائزة الامتياز في التمثيل من مهرجان جمعية الفيلم في 1992.
كمال الشناوي في عيون أصدقائه
يستمر “بص وطل” معكم في لقاءاته مع زملاء وأصدقاء الفنان الراحل؛ حيث قالت الفنانة الكبيرة نادية الجندي: “يبدو أن هذه الأيام هي التي يودعنا فيها الأعزاء والأصدقاء؛ فبعد رحيل العظيمة هند رستم لحق بها كمال الشناوي، ولكن هذه هي سُنة الحياة ويجب أن نتعظ جميعا، ونجعل الموت دائما أمام أعيننا”.
وأضافت: “كمال كان صديقا عزيزا وكنت على اتصال متواصل معه حيث إنني عملت معه في أحب الأفلام إلى قلبي “مهمة في تل أبيب”، ولا أستطيع أن أصف لك حنانه الجارف وشعوره بالمسئولية تجاه فريق العمل بأكمله، وأعتقد أن كل من شاهد الفيلم وجد أن به الكثير من المشاهد الصعبة التي قمت بتأديتها حيث كنت أشعر بأن قلب كمال حينها كان يقف خلف الكاميرا، وكأنه سيقفز من مكانه من فرط خوفه من تعرضي لأي مكروه”.
بينما قالت الفنانة الكبيرة نبيلة عبيد: “أتقدم بخالص التعازي لمصر كلها في وفاة ابنها البار كمال الشناوي؛ فاليوم أنا فقدت صديقا عزيزا على قلبي ومن عدة أيام فقدت صديقتي العظيمة هند رستم، وأتمنى من كل قلبي أن يمتع كل المقربين لي بدوام الصحة”.
وأضافت: “علمت بالخبر بعد استيقاظي من النوم متأخرة من ابنة شقيقتي أميرة هاني، وصعقت عند سماعي له رغم إيماني الشديد بأن هذه هي سُنة الحياة التي يجب ألا نعترض عليها بأي حال من الأحوال”.
وحينما قمنا بالاتصال بالفنان هاني رمزي الذي عمل معه الفنان الراحل كمال الشناوي فوجئنا بتواجد الأول في أمريكا، إلا أنه أبدى خالص تعازيه لأسرة الفنان الراحل، وتمنى أن ينتهي من رحلته سريعا حتى يستطيع اللحاق بمراسم العزاء.
وكانت آخر لقاءاتنا مع الفنانة القديرة لبنى عبد العزيز حيث قالت: “بقدر حزني الشديد على رحيل كمال إلا أن وفاته في هذه الأيام المباركة قلل من حزني، وأتمنى أن نموت جميعا في هذه الأيام الجميلة من هذا الشهر الكريم”.
وأضافت: “كنت أراه دائما “دنجوان” في صغره وكبره، وكنت أشعر أنه فنان شامل يستطيع تجسيد كل الأدوار، وهو ما نجح فيه بالفعل من خلال أعماله التي ستتناقلها الأجيال، وسيدركون جيدا أن كمال الشناوي لن يتكرر في التاريخ القادم للسينما المصرية”.
وفاته
تُوفّي الدنجوان فجر يوم الإثنين الماضي عن عمر ناهز الـ89 عاماً بعد صراع مع المرض، لكنه ترك لنا تراثا كبيرا من الأفلام والذكريات التي نتذكره بها رحم الله كمال الشناوي وأسكنه فسيح جناته.