سيدي الرئيس المخلوع المتنحي السابق حسني مبارك، بصفتي واحدا من جيل الشباب الذي لم ير في حياته سواك رئيسا، ولم ير منذ نعومة أظفاره حتى وقتنا هذا أي خير من حكمك أردت أن أقولها لك بكل صراحة “خنقتنا”.

ظللت طوال 24 ساعة أتابع بذهول خروجك علينا عبر تسجيل صوتي من شاشة قناة “العربية” الإخبارية تتحدث فيه بكل عجرفة وعدم مراعاة لشعب مصر العظيم، والذي لم تستوعب سيادتك أنك أجهزت عليه طوال 30 عاما وتركته -غير مأسوف عليك- نصْفه يعيش في فقر والجزء الباقي يعيش على فتات ما يسمّى بمحدودي الدخل، تركت شعبا لا يبحث في يومه إلا عن الأكل أو “المم”، تركت شعبا يسير في الشوارع يُحدّث نفسه، شباب عاطل بالملايين، شباب كاد أو فقَدَ بالفعل الانتماء لوطنه.

تركت شبابا يبحث عن مراكب أو نعوش للموت عبر هجرة غير شرعية يهرب بها من وطن ضاق عليه وضاق به، وأنت تعيش في نعيم وسط أولادك وأنجالك، وحولك حاشيتك تقنعك بأن كله تمام يا ريس، كله تمام بنسرق وبننهب وتزيد أرصدتك أنت وأولادك في كل بنوك العالم.

أنا آسف فعلا يا ريس بأن أقول لك لقد ضقنا ذرعا بحديثك عن تاريخك العسكري إلى أن بدأت أكره حرب أكتوبر بسببك، وكأنك الوحيد الذي حاربت وناضلت وفي النهاية بعت الأرض لأعوانك ومنحت الغاز لأعدائك بأبخس الأثمان وشعبك جعان، “يعني إسرائيل منورة بغازنا.. ومصر منورة بأهلها”.
ظللت أستمع إلى خطابك فرأيت نفس الحديث بنفس الأسلوب المتعالي، ويبدو أن من صاغه لك هو من صاغ لك كل خطاباتك أيام ثورة 25 يناير، والتي أطاحت بك وبحكمك، ولكن على ما يبدو أنك حتى الآن لا تعلم ذلك، وأقنعت من حولك أنك بتصيّف شهرين كده وراجع!

واستوقفني في الحديث مدى حرفية من قام بعمل مونتاج للحديث، ومدى قوة خروج الألفاظ من بين فمك، وهو ما يدل بشكل قاطع على مدى تمتعك بصحة جيدة، وأن كل ما كان يُنشر عن تدهور صحتك وسفرك للعلاج ما هو إلا جزء من الثورة المضادة؛ لكي تستجدي مؤيديك، وأشهد لك أنك نجحت لبعض الوقت وأصبح البعض يردد مقولة “ارحموا عزيز قوم ذل”.

ولكن لماذا لم يرحمنا هو لمدة ثلاثة عقود متتالية وحكمه يسطع من فساد إلى فساد؟؟ لا يوجد بيت في بر مصر لم يتلوث بسبب فساد عهد مبارك من الأكل الملوث بالمبيدات المسرطنة والبطالة والعنوسة وافتقاد الانتماء وبيع الأراضي أو بمعنى أدقّ نهبها لمريدي قصرك، وبيع الشركات الحكومية بفكرة شيطانية اسمها الخصخصة، وبقى الكبير عاطل والشباب عاطل وأنت حكمك باطل وانتهى، خلقت الفرقة بين أبناء الوطن الواحد بين المسلم والمسيحي، والمسلم وأخيه المسلم بدولتك البوليسية الهشة التي سقطت في 4 ساعات يوم 28 يناير الماضي.

لكنك تأبى أن تتركنا نعيش ونرتقي بوطن عاد إلينا لتطل علينا عبر تسجيل صوتي يدلّ على أنك ما زلت تعيش في غيبوبة، وتقول: “لقد آثرت الابتعاد عن الحياة السياسية متمنياً الخير لمصر”، هل أنت الذي آثرت؟! هل الحاكم الذي يقتل شعبه ويعذبهم بأبشع ألوان العذاب القهري والجسدي والبدني والنفسي يخرج بكل هذه السهولة، لأ ويتمنى الخير لمصر؟!

على الرغم من أنني لا أميل إلى نسج خيوط نظرية المؤامرة، ولكنني وجدت نفسي مضطرا إلى ربط الأحداث ببعضها.. فمنذ أن سقط النظام ويحدث عجب العجاب بين أبناء الشعب الواحد، بعيدا عن “أخلاق ميدان التحرير”، بدأت بفتنة بين المسلمين والمسيحيين بحرق كنيسة أطفيح، لولا أن الوعي المصري العاقل تحرك سريعا لوأدها، ثم كانت الأيادي الخفية تجهز للمرحلة الثانية من المؤامرة بإخراج قمقم السلفيين بفتاوى هدم الأضرحة؛ لتشتعل فتنة بين المسلمين وبعضهم، ثم غزوة الصناديق واستعمال الدين للمتاجرة به في اللعبة السياسية.

هي لعبة معروفة من النظام السابق “فكرة الإلهاء للإبقاء” على الوضع الحالي مشتعلا، ألا تتفكّرون أيها المصريون هل يعتقد البعض أن نظام بنى بيننا وبينه 30 عاما من العداء والاستعداء أن يسقط هكذا في شهرين؟ وبعد فترة الإلهاء في فتنة السلفية والهجوم الشرس عليها وانشغال إعلامنا الفاسد مع الأسف بتأجيج هذه النار.. ندخل إلى الفتنة الخطيرة والأخيرة لهدم كل ما بدأ أن يبني خطة “التخبيط مع وفي الجيش”، وبث أخبار عن تباطؤ وتواطؤ في المحاكمات وتأجيج المظاهرات في التحرير وبثّ الفرقة بين ثوار شباب 25 يناير.. وبثّ فيديوهات لبعض ضباط الجيش المفصولين لسوء السلوك؛ للحديث عن فساد في المؤسسة العسكرية دون سند واحد يبرهن على صحة كلامهم.

ويقوم مبارك وزبانيته بدقّ الإسفين الأخير في نعش الثورة -وأتمنى أن يخيب ظني- بالزجّ ببعض الشباب الموتور في ميدان التحرير يرتدون الزي العسكري؛ ليقولوا للجموع الغفيرة في الميدان: “أهو على عينك يا تاجر الفساد أهو” ويهتفون يسقط المُشير، ولكن أين دليلكم على الفساد؟ ولو كان لديكم دليل واحد لماذا لا تتقدمون به إلى جهات التحقيق؟ لماذا ولماذا وألف لماذا؟ لماذا هذا التوقيت؟ ولماذا ميدان التحرير ووسط كل شاشات العالم؟ وأخطأ الشباب الثائر دائما ولا يهدأ مطلقا بالدفاع عنهم؛ لأن هذه كانت وستظل ثورة مدنية ولن تكون عسكرية.

وبالطبع أخطأ الجيش في تفريق اعتصام الشباب الثائر الذي لم يتعلم بعدُ أصول اللعبة الديمقراطية، شباب ظل طوال 30 عاما مغيبا لا يثق في منظومة فساد عنكبوتية من تعليم ومنظومة ورشوة ونظرية “فرّق تسد”.

 

ونأتي لمرحلة الطرق على الحديد وهو ساخن بخروج حديث مبارك عبر قناة العربية، فهي اللحظة المثالية لإعطاء ضربة قاضية للثورة؛ فالرئيس يخرج لسانه للجميع ويقول أنا موجود، وأتمتع بكامل عافيتي، وطاقمي موجود، وميدان “مصطفى محمود” جاهز في انتظار إشارتي والترحّم على عهدي والفوضى التي بشّرتكم بها.

وبالفعل الشعور بدأ يتسلل إلى عدد لا بأس به من الشعب الذي لم يعرف رئيسا سواه، فنشرات الأخبار والمواقع والجرائد تبث كل يوم معدلات مرتفعة للجريمة وانفلات أمني وعدم احترام لهيبة الدولة والشعب والجيش وقعوا في بعض، والنداء بدأ يصمّ الأذان: “أين أنت يا مبارك، فين أيامك يا ريس، لكن لم يحدث هذا في عهدك، كان يقدر مسيحي ولا سلفي يفتح بقه أمن الدولة كان يظبطه”، هذه بعض العبارات من قلب الشارع المصري الحقيقي مش بتاع ساقية الصاوي ونادي ليونز ومؤتمرات الحوار الوطني.

“ولكني لا أملك أن ألتزم الصمت أمام الطعن في سمعة ونزاهة أسرتي”، هذه كانت إحدى عبارات مبارك في حديثه أمس، لكنه كان يملك تشويه سمعة البرادعي الذي قال له لأ ووقف في وجهه، كان يملك سمعة تشويه خالد سعيد الذي قتله نظامه الفاسد وادّعى ابتلاعه لفافة بانجو، والمئات والمئات ممن ادّعى عليهم نظام مبارك وشوّه صورتهم؛ لمجرد أنهم وقفوا ضده وضد حكمه الظالم الباطش، وسأترك لكم أيها القراء أن تذكّروني بها.

كلمة أخيرة:
رسالة إلى الرئيس السابق المخلوع “اللي خنقنا”.. هل تشعر بإحساس الظلم الآن؟ هل تشعر بالفعل؟؟ أشك! ولكن شكرا؛ لأنك أعدت وحدتنا من جديد على كلمة سواء “محاكمتك فوراً”.

من راديو مصر علي الهوا

راديو مصر علي الهوا ... صوت شباب مصر

اترك رد

رسالتك علي الهوا