Site icon راديو مصر

سر اختيار اليهود لاسم إسرائيل: رحلة تاريخية من صراع يعقوب إلى هوية قومية

تنوعت الأسماء التي تُطلق على اليهود، من أشهرها “يهود” و”إسرائيليين” و”عبريين” و”صهاينة”. على الرغم من بساطة هذه الأسماء، إلا أنها تحمل إشكاليات معقدة ومتداخلة في تفسير معانيها نظرًا لتعدد استخداماتها واشاراتها.

في سفر التكوين، يُطلق لقب “إسرائيل” على يعقوب بسبب صراعه الملحمي مع الرب. يظهر الرب أمام يعقوب بصورة ملاك، ويستمر الصراع بينهما حتى طلوع الفجر. خلال هذا الصراع، يطلب الرب من يعقوب أن يُطلق ساقه، لكن يعقوب يصر على أن يُبارك. وفي هذا السياق، يُطلق على يعقوب لقب “إسرائيل”، الذي يعني “مصارع الله”، نتيجة لصراعه مع الله والناس وغلبه.

لذلك، يستمر يعقوب في الاستخدام الدائم لاسم “إسرائيل”، وينتقل هذا اللقب إلى نسله، حيث يُعرف أحفاد يعقوب باسم “بني إسرائيل”. يترك هذا اللقب بصمة عميقة في تاريخ شعب إسرائيل، حيث يُظهر التفاني والصمود خلال تلك المصارعة مع الله والارتباط القوي بين الله وشعبه.

يعيش الكثيرون في حيرة حيال فهم الفرق بين هذه التسميات، حيث يستخدم البعض منهم التسمية الأولى حصراً، في حين يجمع آخرون بين تلك التسميات أو يستخدمونها بشكل متبادل.

لتوضيح هذا التباين وفهم المعاني، يتعين جمع معلومات متنوعة حول أصل واستخدامات هذه الأسماء. سنبدأ بالتحدث عن مسمى “اليهود” و”اليهودية”.

اولاً: اليهود:

تختلف آراء اللغويين والمفسرين حول أصل كلمة “يهود” والسبب وراء تسمية الشعب بهذا الاسم. بعضهم يرى أنها اشتقت من “هاد” بمعنى الرجوع، حيث سُمي بها عندما تابوا عن عبادة العجل، مع تفسير يقول إنهم “هدوا” أو رجعوا إلى الله.

من جهة أخرى، يعتقد آخرون أن الكلمة مشتقة من “التهوّد”، وهو صوت لين وضعيف، حيث سُمي بهم بسبب ليونتهم وهدوئهم عند قراءة التوراة. هناك رأي آخر يربط أصل الكلمة بالاسم “يهوذا”، الذي يعود إلى رابع أولاد يعقوب عليه السلام.

في مفهوم تاريخي، يُعزى بعضهم اسم “اليهود” إلى بقايا جماعة يهوذا التي سباها نبوخذ نصّر إلى بابل في القرن السادس قبل الميلاد. يُذكر أن هذا الاستخدام للتسمية ظهر بعد فترة مملكة يهوذا في فلسطين، وليس له صلة مباشرة بيهوذا ويعقوب.

يُذكر في القرآن الكريم بعبارات عديدة تشير إلى اليهود، كما في قوله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى…”، وقوله تعالى: “وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا..”، وتتعدد الآيات التي تشير إليهم باسم “اليهود”.

في تفسير هذا النص، أشار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – إلى أن “الذين آمنوا” هم أهل شريعة القرآن، فيما “الذين هادوا والنصارى” هم أهل دين ملي بشريعة التوراة والإنجيل. يُفسر أيضاً أن الذين ذكرهم الله بالإيجاب في هذه الآيات كانوا مسلمين مؤمنين لا يبدلون ما أنزل الله ولا يكفرون بشيء مما أنزل الله، بينما أصبحت اليهود والنصارى كفارًا بسبب تبديلهم لما أنزل الله وكفرهم بما أنزل على النبي محمد.

وفي تحقيق للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود حول موضوع “الإصلاح والتعديل فيما طرأ على اسم اليهود والنصارى من التبديل”، تم التأكيد على أن “اليهود” انفصلوا عن بني إسرائيل، تمامًا كما حدث مع انفصال إبراهيم عن آزر. يُشير الشيخ إلى أن استخدام مصطلح “بني إسرائيل” يضفي على اليهود فضائل ويخفي عنهم رذائلهم، وبالتالي يُحجب التمييز بين “إسرائيل” وبين اليهود الذين أصبحوا مستهدفين بالذل والمسكنة.

ويلاحظ أنه في القرآن الكريم، لم يُستخدم مصطلح “اليهود” بطريقة تمجيدية، بل تم تذكير بصفاتهم السلبية والتحذير منهم، مما يظهر في قوله تعالى: “لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا” سورة المائدة: 82.

اليهود وإشكالية الدلالة:

على الرغم من بساطة كلمة “اليهود”، إلا أنها تعتبر من أكثر الكلمات إشكالية نظرًا لاختلاف مدلولها. يتم استخدامها للإشارة إلى مجتمعات متنوعة من اليهود، بدءًا من الحاخاميين والقراء والسامريين إلى يهود الصين وأثيوبيا، ممتدة إلى السفارديين والأشكنازيين والصابرا، وحتى لتشمل يهود العالم والمستوطنين الصهاينة في فلسطين. يُشير البعض إلى أن استخدام مصطلح “اليهود” يُظهر التماسك والتجانس والوحدة، بينما يُفضل البعض الآخر استخدام مصطلح “شتات اليهود” نظرًا لاختلاف الجماعات اليهودية وتفرقها.

ثانيًا: إسرائيل وإسرائيلي وإسرائيليين:

تم استخدام مصطلح “إسرائيليين” للإشارة إلى اليهود القادمين إلى فلسطين بعد إعلان دولة إسرائيل في عام 1948. وأصبحت تلك التسمية شائعة للإشارة إلى أي يهودي يعيش على أرض فلسطين، وبالتالي يُطلق عليه “إسرائيلي” ويُمنح الجنسية الإسرائيلية. تم استخدام هذه التسميات على نطاق واسع في العالم العربي، مما يعكس استنكاراً للاحتلال الإسرائيلي وتصاعد التوترات في المنطقة.

الهوية اليهودية والاسم “إسرائيل”:

أثبت العديد من الدارسين والباحثين أن أكثر من 92% من يهود اليوم، الذين يستوطنون الآن في الولايات المتحدة ودول أوروبا وروسيا، ليسوا من سلالة “يهود الأرض المقدسة” التي عرفوا بها تاريخيًا في “العهد القديم”. بل أظهرت الحقائق التاريخية أن “الخزر”، الذين اعتنقوا الديانة اليهودية في نهاية القرن الثامن عشر، هم من أصلهم، وأن اسم “يهود” لم يُطلق عليهم قبل ذلك. وفي هذا يكمن دليل قوي على كذب مزاعمهم وافتراءاتهم.

لذا، يعد إطلاق اسم “إسرائيل” على الكيان اليهودي المغتصب لأرض فلسطين خاطئًا، وينبغي الحفاظ على نقاء وجمال هذا الاسم وعدم تلويثه بتسميتهم. بناءً على مزاعم اليهود، ينبغي أن نُطلق عليهم الاسم الذي يليق بهم، وهو “اليهود” و”يهود”، وأن نتوقف عن استخدام اسم “إسرائيليين”. فاليهود أصبحوا يُطلق عليهم اليوم “إسرائيليين”، والمغتصبون صاروا “مستوطنين”، وأصحاب الأرض أصبحوا “المعتدين”، ومقاومتهم أصبحت “عنفًا وإرهابًا”. وهذا يُظهر النجاح الكبير للإعلام اليهودي في نشر المصطلحات التي يرغبون فيها.

من هو أول من أطلق اسم “إسرائيل”:

ما زالت الجدلات مستمرة حول من كان أول من أطلق اسم “دولة إسرائيل” على الكيان اليهودي. يُشير بعض المؤرخين إلى أن ذلك الاسم لم يتم اعتماده إلا قبل أيام قليلة من إعلان “دافيد بن غوريون” عن قيام الدولة في 15 مايو 1948. وما يثير الدهشة هو أن الجدل حول الشخص الذي قرر أولاً اعتماد هذا الاسم لا يزال قائمًا بين المؤرخين اليهود، وحتى يومنا هذا يتناولون هذا السؤال.

تناولت مقالة للكاتب “أهرون رؤبيني” في صحيفة “هآرتس” العبرية هذه الجدلات، حيث تناول المؤلف التحقيقات والآراء المتنوعة حول من كان أول من اقترح اسم “دولة إسرائيل”. وكما أشار إلى مقالات سابقة نشرتها زوجة أحد قادة الحركة الصهيونية تدعي أن زوجها هو الذي قدم هذا الاقتراح، فإن تاريخ اعتماد الاسم يظل غامضًا.

العبريون وأسباب التسمية:

تتباين الآراء حول سبب تسمية اليهود بـ”العبريين” أو “العبرانيين”. هناك من يقول إنهم سُمّوا بهذا الاسم نسبةً إلى إبراهيم عليه السلام نفسه، وذلك استنادًا إلى مروره عبر نهر الفرات وأنه عُرِفَ في سفر التكوين باسم “إبراهيم العبراني”. وهناك قول آخر يربط التسمية بمصطلح “عبر”، الذي يشير إلى جد إبراهيم عليه السلام، ويعتبره بعضهم السبب وراء تسميتهم.

غير أنّ الرأي الأكثر تأييداً يرى أن سبب التسمية يعود إلى الموطن الأصلي لبني إسرائيل. يُشير هذا الرأي إلى أن بني إسرائيل كانوا في الأصل من الأمم البدوية الصحراوية، الذين لم يستقروا في مكان ثابت، بل كانوا يتنقلون بين المناطق بحثًا عن الماء والمرعى لقطعانهم.

يرى معظم المؤرخين أن اسم “العبريين” يعود إلى عبور إبراهيم عليه السلام نهر الفرات. يستند هذا الرأي إلى نصوص في الكتاب المقدس تشير إلى عبور إبراهيم لنهر الفرات، مثل قول الرب في سفر يشوع “وهكذا قال الرب إله إسرائيل في عبر النهر سكن آباؤكم منذ الدهر”. وبناءً على هذا، يُعتبر هذا الرأي أقرب إلى الصواب والمنطق من آراء أخرى.

مصطلح “عبري” يُستخدم كتسمية قديمة للجماعات اليهودية، ويُقال أيضًا “عبراني”، ويُشير إلى الشعب اليهودي في العهود القديمة. يُرى أن كلمة “عبري” تعود إلى مصطلح “العبور”، الذي يُفسر في سفر التكوين بـ”عبور النهار”. يُظهر استخدام هذا المصطلح في الكتاب المقدس استمرارية الشعب اليهودي في الحفاظ على تماسكه وتحمّله لتحديات العبور في تاريخه.

Exit mobile version