"الجدل حول هيكل سليمان: رؤى دينية وتاريخية متنازع عليها في ضوء المصادر الدينية والآثاريه"

 

هيكل سليمان، المعروف أيضًا بالهيكل الأول أو البيت المقدس، هو المعبد اليهودي الأول في القدس، وقد بُني وفقًا للتقاليد اليهودية من قبل الملك سليمان، بني المعبد في القرن العاشر قبل الميلاد ودمر في سنة 587 قبل الميلاد من قبل نبوخذ نصر الثاني بعد حصار القدس.

المكان الذي بُني عليه المعبد لا يزال موضوعًا للجدل بين اليهود، وهناك اعتقادات متنوعة حول موقعه الدقيق، بعض اليهود يربطون موقعه بمسجد قبة الصخرة أو بجواره، وفقًا للتحليل التاريخي والأثري، يُعتقد أن المعبد كان يقع داخل الحرم القدسي الشريف أو بجواره.

على الرغم من الرغبة بإعادة بناء المعبد من قبل بعض اليهود، إلا أن الأمور الدينية والسياسية تجعل هذا الأمر أمرًا حساسًا ومعقدًا، يُعتبر الحرم القدسي الشريف محظورًا لليهود من الناحية الدينية، وذلك بسبب صعوبة أداء طقوس الطهارة المطلوبة قبل الدخول إلى المكان وفقًا للشريعة اليهودية.

الهيكل الثاني بُني في نفس الموقع في عام 516 قبل الميلاد، وتم توسيعه في عام 19 قبل الميلاد، لكنه دمر في عام 70 ميلادي على يد الرومان، بُنيت قبة الصخرة على الموقع في عام 691 ميلادي.

بسبب الحساسيات الدينية والتوترات السياسية في القدس الشرقية، ونقص الأبحاث الأثرية في الحرم القدسي، فإن إعادة بناء المعبد ليس في الخطط الحالية، ويظل الموقع على حالته منذ تدميره من قبل نبوخذ نصر.

تاريخ الهيكل الذي بناه الملك سليمان والذي أُعيد بناءه في القرن الأول للميلاد، المعروف أيضًا بـ”الهيكل الثاني” أو “هيكل هيرودس”، يُوثق بشكل مفصل في مؤلفات المؤرخ اليهودي الروماني “يوسيفوس فلافيوس”، وخاصة في عمله “حروب اليهود”. يُقدم يوسيفوس وصفًا دقيقًا لشكل المعبد وطريقة العبادة فيه.

من بين الدلائل الأثرية التي تؤكد وصف يوسيفوس، تم العثور على حجرتين تحملان نقوشًا باللغة اليونانية قرب الحرم القدسي، تحتوي هذه النقوش على تحذير للرواد غير اليهود بعدم دخول المكان المقدس، بالإضافة إلى ذلك، يتم الإشارة إلى بوابة تيتوس في روما، التي تحمل صورة لجنود رومان يحملون كنوز الهيكل بعد فوزهم على اليهود في القدس وتدمير المعبد.

فيما يتعلق بأيام الهيكل الأول الذي بناه الملك سليمان، تفتقر الدلائل، باستثناء الكتاب المقدس، إلى إشارات مباشرة إلى المعبد، ومع ذلك، توجد معلومات في الكتب الدينية اليهودية الأخرى مثل المشناه والتلمود تذكر الملوك والوزراء والكهنة الذين خدموا في الهيكل، مع الإشارة إلى أنهم كانوا يعبدون الرب في المعبد، دون الإشارة المحددة إلى الهيكل نفسه.

هذه الروايات والدلائل تشير إلى الأهمية التاريخية والدينية للهيكل في حياة الشعب اليهودي وتظهر تأثيره على الأحداث والتطورات الثقافية والدينية في تلك الفترة.

تاريخ بناء الهيكل الأول والهيكل الثاني، وفقًا للكتاب المقدس، يظهر في سفر الملوك الأول إصحاح 5-6،بنى الملك سليمان، الذي يُعرف في الإسلام باسم النبي سليمان، الهيكل بأمر من الله كإكمال لعمل والده الملك داود، المعروف في الإسلام باسم النبي داود، وقاد داود نقل تابوت العهد والأحجار المنقوشة بشريعة موسى إلى مدينة أورشليم بعد احتلالها من قبل اليبوسيين.

بنى سليمان الهيكل في أورشليم ووضع فيه التابوت والأحجار، جعله مكانًا لعبادة لله، وفقًا لسفر الملوك الأول (الأصحاح 6-9)، استمر بناء الهيكل لمدة 16 عامًا، من السنة الرابعة لتولي سليمان العرش حتى السنة العشرين، واستعان في بنائه “بحيرام” ملك صور الفينيقي.

تعرض المصادر التاريخية لأحداث متتالية من هدم وإعادة بناء الهيكل، تم تدمير المدينة والهيكل في عام 587 قبل الميلاد على يد نبوخذ نصر ملك بابل، وسبي أكثر سكانها. تم إعادة بناء الهيكل حوالي عام 520-515 قبل الميلاد، وتم هدمه مرة أخرى خلال حكم المكدونيين في عام 170 قبل الميلاد بعد فتنة حدثت بين اليهود، وأخيرًا، تم إعادة بناء الهيكل للمرة الثالثة على يد هيرودوس مع مساعدة الرومان عام 40 قبل الميلاد، وتم هدمه للمرة الثالثة عام 70 ميلادي على يد الرومان خلال حكمهم للقدس.

تاريخ الهيكل يعكس التغيرات والأحداث الهامة في تاريخ الشعب اليهودي وتأثيره على المنطقة على مر العصور.

هناك جدل بين بعض علماء الآثار حول وجود الهيكل في القدس، حيث يرى بعضهم أن اليهود لم يعيشوا في المدينة على مر العصور ولم يتم بناء أي هيكل، ويعتبر هؤلاء أن قصص الهيكل قد تم تلقينها أو اختراعها.

بعد الفتح الإسلامي، بُني مسجد قبة الصخرة في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وهو ما لا يقبله اليهود لأنهم لا يعترفون بالإسلام، وبقي المسجد الأقصى على حاله، وتسعى إسرائيل إلى بناء هيكل سليمان أو الهيكل الثالث على جبل الهيكل، مما أثار جدلاً حاداً بين المسلمين واليهود.

يظهر جدالٌ حول إعادة بناء الهيكل وموقعه المثير للجدل، حيث تحاول إسرائيل استرجاع الهيكل بتدمير المسجد الأقصى وإقامة الهيكل الثالث مكانه. يظهر تباينٌ في وجهات نظر الحاخامات اليهود حيث يمنع البعض زيارة الحرم القدسي ويعتبر إعادة بناء الهيكل في الوقت الحالي ممنوعًا، بينما يقبل آخرون هذا الافتراض.

تظهر الخلافات حول هذا الموضوع بين الفقهاء اليهود، حيث يرفض البعض زيارة الحرم القدسي لقداسته وتعتبر الطقوس اليهودية اللازمة قبل دخول المكان صعبة التحقق في عصرنا، وفي الوقت نفسه، تسمح السلطات الإسرائيلية لليهود بزيارة الحرم القدسي كسياح، ولكن يُمنع أداء الشعائر فيه.

هذه الديناميات تعكس تعقيدات الوضع السياسي والديني في المنطقة وتأثيرها على الجدل حول الهيكل والحرم القدسي.

الحرم القدسي له قدسية خاصة لدى المسلمين، حيث يُعتبر أولى القبلتين وثاني مسجد وُضع في الأرض، يُروى في التقاليد الإسلامية أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أُسري به إلى السماء من المسجد الأقصى في حادثة الإسراء والمعراج.

تختلف وجهات النظر بين المسلمين حول موضوع وجود هيكل سليمان تحت المسجد الأقصى، يرى البعض أن هذه الروايات هي مجرد قصص اخترعها اليهود كذريعة لهدم المسجد الأقصى. في المقابل، يُذكر بعض العلماء الإسلاميين مثل ابن خلدون وابن الوردي أن الهيكل كان موجودًا في الحقيقة.

ليس هناك دليل قاطع على مكان بناء الهيكل، تتناول بعض المصادر وجوده تحت قبة الصخرة، في حين يروج اليهود للفكرة أن مكانه هو جبل الهيكل أو الحرم القدسي الشريف، ويُقال أيضًا أن هيكل سليمان قد بُني تحت بيت المقدس.

تجسد هذه الآراء والروايات تعقيدات الوضع الديني والثقافي والتاريخي في المنطقة، وتظهر التنوع في الفهم والتفسير بين المسلمين واليهود حول الحرم القدسي ومكان الهيكل.

اترك رد

رسالتك علي الهوا