قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، إنه من الواجب على الإنسان أن يتحلى بالأدب مع الله سبحانه وتعالى أثناء الدعاء. وأوضح أن من أبرز مظاهر الأدب مع الله هو الرضا بما قسمه الله والتسليم بما يجريه الله سبحانه وتعالى في الكون.
كيف أدعو الله ليستجيب لي:
أوضح الدكتور علي جمعة في إجابته على سؤال “كيف أدعو الله ليستجيب لي؟” أنه عندما يرغب الشخص في الدعاء والالتجاء، ينبغي أن يفعله كعبادة وليس من أجل التطلع إلى الدنيا. يجب على الشخص أن يسأل الله سبحانه وتعالى من خير الدنيا والآخرة، فهو مالك السماوات والأرض، والآخرة، ويوم الدين. يجب أن يكون الالتجاء إلى الله وحده، ولا ينبغي أن يكون المقصود من الدعاء إلا الله تعالى.
وأضاف أن الدعاء قد يُستجاب فورًا، أو يُؤجل فيُستجاب بعد فترة، أو يُخزَّن كعبادة وثواب في الآخرة. لذا، فإن الدعاء خيرٌ في جميع حالاته، سواء استُجيب أم لم يُستجب، لأن الإنسان لا يعرف أين يكمن الخير أو ما هو الأصلح له. الله سبحانه وتعالى هو من يعلم كل شيء، ولا إله إلا هو، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وتابع قائلاً: لذلك، عندما تدعو الله، يجب أن يكون دعاؤك عبادة، لا مجرد طلب للدنيا. ادعُ الله عبادةً، كما قال سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: “الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ”، وهذا حديث صحيح أخرجه الأربعة.
واستشهد بحديث آخر، رغم أنه أقل صحة لكنه لا يزال صحيحًا، يقول: “الدُّعَاءُ مُخُ الْعِبَادَةُ”. يوضح الفرق بين “الدعاء هو العبادة”، التي تعني أن الدعاء هو جوهر العبادة، وبين “الدعاء مخ العبادة”، التي تعني أن الدعاء هو أعلى مرتبة في العبادة. فـ “الدعاء هو العبادة” يشير إلى أن الصلاة، والزكاة، والحج، والصيام، كلها تُعتبر دعاءً في جوهرها.
وأشار إلى أن الدعاء هو جوهر العبادة، وهو حقيقة الصلة بينك وبين الله تعالى. لذا، يجب أن نفهم أن الأدب مع الله يستلزم أن يكون الدعاء عبادة خالصة، بمعنى ألا يكون قلبك متعلقًا بالمطلوب.
واستطرد قائلاً: ادعُ الله وكأنك تقول: “يا رب، افعل لي كذا وكذا بإرادتك وقوتك وحولك، متى شئت، وأين شئت، وكيف شئت. اللهم، إن لم يكن بك عليّ غضب، فلا أبالي”. انظر إلى كيفية تعليم سيد المرسلين لنا الأدب في الدعاء، فهو يُعلّمنا أن الدعاء هو أولاً وقبل كل شيء عبادة.
وأشار إلى أنه بعد أن تصرف قلبك عن المطلوب وتجعل المطلوب هو الله ذاته، وليس الغرض الدنيوي أو الأخروي الذي تدعو من أجله، يجب أن لا تيأس مع الإلحاح في الدعاء إذا تأخر الاستجابة. فالمدد يأتي من الله وحده.
وأوضح أن الله قد ضمن لك الاستجابة بما يختاره لك، وليس بما تختاره لنفسك، لأنك لا تعرف ما هو الأصلح. فهذا يعني التبرؤ من حولك وقوتك والانتقال إلى حول الله وقوته. يجب أن تكون واثقًا بالله، لأن ما في يد الله أعظم مما في يدك، وتدبيره أعظم من تدبيرك. ويجب أن لا يتسلل إلينا اليأس، لأن اليأس من صفات الكافرين.
أوقات يزيد فيها رجاء إجابة الدعاء:
- ما بين الأذان والإقامة، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة.
- في جوف الليل وآخره، خاصة في الثلث الأخير، توجد ساعة لا يُرد فيها الدعاء. وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: “ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى ينفجر الفجر”.
- في السجود، يُرجى استجابة الدعاء. قال عليه الصلاة والسلام: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فكثروا الدعاء.” وأضاف ﷺ: “أما الركوع، فعظموا فيه الرب، وأما السجود، فاجتهدوا في الدعاء، فإنك حريّ أن يُستجاب لكم”. رواه مسلم في صحيحه.
- عندما يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة للخطبة حتى تنتهي الصلاة، يكون ذلك وقتًا يُرجى فيه استجابة الدعاء.
- في آخر كل صلاة، قبل السلام، يُستحب الدعاء، ويُرجى استجابة الدعاء في هذا الوقت. فقد علم النبي ﷺ الصحابة التشهد وقال: “ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو”.
- في آخر نهار الجمعة، من بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس، يُعتبر وقتًا مباركًا للإجابة، خاصة لمن يجلس على طهارة وينتظر صلاة المغرب. لذا، يُستحب الإكثار من الدعاء خلال هذه الفترة، لأن المنتظر للصلاة يُعد في حكم المصلي. وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: “في يوم الجمعة ساعة لا يسأل الله فيها أحد شيئًا وهو قائم يصلي إلا أعطاه الله إياه”، وأشار إلى أنها ساعة قليلة. وقد فسّر العلماء حديثه بقولهم إن المراد بـ “لا يسأل الله فيها شيئًا وهو قائم يصلي” هو من ينتظر الصلاة، لأن المنتظر يُعتبر في حكم المصلي، حيث إن وقت العصر ليس وقت صلاة.