Connect with us

قصص و روايات

«أبي الذي أكره» كتاب للدكتور المصري عماد رشاد عثمان

Published

on

أبي الذي أكره

وهو كاتب وطبيب بشري، يناقش فيه دور الصدمات وإساءات النشأة في إعادة تشكيل شخصياتنا، وتأثيرها البالغ على علاقتنا مع أنفسنا ومع الآخرين. يتغلغل الكاتب في أغوار النفس البشرية، ويواجه القارئ بصراحة تامة، فتارة يبكيه وتارة يطبطب على الطفل في داخله. الكتاب ليس موجهًا لضحايا الهدر الأسري فقط، بل لمن لا يريد تكرار الأخطاء أيضًا.

الطفل في داخلك

 

«الإنسان يتغير لسببين، حينما يتعلم أكثر مما يريد، أو حينما يتأذى أكثر مما يستحق» – شكسبير.

يمهد الدكتور عماد للموضوع بأن الأسرة ببساطة هي بيئة احتضان تهدويَّة لقلق مقابلة الوجود، يدخلها الإنسان لتحميه في البدايات لحين اكتمال نمو أدواته الخاصة، التي يتمكن عبرها من مقابلة الوجود بشكل فعال وذاتي. إنها ضرورة تطورية للطفل البشري، وغياب تلك البيئة أو تصدعها لا يهدد بقاءه في طفولته فحسب، بل يعطل نمو أدواته للتعامل مع العالم من حوله.

ولهذا فإن إساءات النشأة تعمل على تجميد النمو في مراحله النفسية الأولى، وتحرم الطفل من تكوين ذاته لمواجهة العالم، فيخرج شاعرًا بالتهديد. ولذا فإن جزءًا أصيلًا من التعافي يكمن في الحصول على علاقة شافية، أو بيئة حاضنة بديلة لترميمه واستكمال نموه، لمواكبة الضغوط والتعامل مع قلق الوجود.

الشخص الأهم الذي تتوقع منه المحبة وتستمد منه تصورك عن العالم وعن نفسك، قبل أن يلقي إليك إساءة لفظية أو بدنية قد لفظك ورفضك، وهناك في البقعة العميقة التي قررنا أن نخبئ فيها الألم والصرخة يسكننا الغضب. لم يكن مسموحًا أن نعبر عنه خشية أن يجر علينا المزيد من الإساءة، لذا تعلمنا الكبت والمواراة، وهكذا فقد استمر الغضب في البروز على السطح لغير أسبابه الحقيقية.

كل منا ببساطة يحمل في داخله طفلًا غاضبًا، وبدلًا من تخفيف استيائه والتعاطف معه، تركناه يخرج في وضع الثورة ويتحكم فينا في نوبة هياج لا ينتج منها سوى الندم.

بالإضافة إلى ذلك، يذكر الكتاب أنه كلما كانت الصدمات مبكرة كان تأثيرها أكثر تجذرًا، وكلما كانت من الأقربين تأصلت في التكوين النفسي أكثر، فحين تسرق منا الإساءة الأمان الداخلي، يحل محله الخوف الدائم، وهنا تنمو بذرة القلق، فحتى بعد غياب الصدمة، يبقى أثرها الشعوري المبهم.

الصدمات وعمليات الدماغ

في كتاب What Happened to You، يوضح الطبيب النفسي الأمريكي بروس بيري فسيولوجية الدماغ عند التعرض لصدمة نفسية. فالدماغ مكون من عدة أجزاء ضرورية لتنظيم العمليات الحيوية: القشرة المخية والجهاز الحوفي (Cerebral Cortex and Limbic System) ، وهما مسؤولين عن العمليات المعقدة مثل التفكير والتخطيط والتحدث والوعي بالزمن، وكل اعتقاداتنا وقيمنا تُحفظ هناك.

أما الجزء السفلي فيتضمن جذع الدماغ (Brainstem)، وهو مسؤول عن العمليات الأقل تعقيدًا مثل تنظيم حرارة الجسم ومعدل التنفس ونبضات القلب. المُدخلات الحسية كالسمع والبصر تعالَج أولًا عبر الأجزاء السفلية من أدمغتنا، بينما يكتمل نمو الجزء العلوي بعد الولادة بعدة سنوات، لهذا فإن الرضيع يرى ويسمع لكنه لا يفكر أو يخطط كالكبار، إذ لم ينمُ هذا الجزء من دماغه تمامًا.

عقولنا مبرمجة على الشعور والتصرف قبل التفكير، وهذا ببساطة يفسر ما يحدث للمرء من أعراض بعد التعرض لصدمة، فعندما يتعرض الشخص لأي محفز من المحفزات التي كانت سببًا في صدمته الأولى كصوت انفجار أو صرخة أو رائحة مميزة أو لون ما، فإن هذه المدخلات تعالَج مباشرة في الجزء الأسفل من الدماغ، وما هي إلا لحظات قبل تفعيل نظام الاستجابة للضغط وتعطيل بقية أجزاء الدماغ.

وبما أن جذع الدماغ لا يستطيع تحديد الزمن، فإن الشخص يسترجع تفاصيل تلك الذكرى بل ويعيشها بحذافيرها، حتى تصل المدخلات أخيرًا للقشرة المخية ويبدأ الشخص، وبعد جهد جهيد، في استيعاب أن هذا الحدث قد أصبح من الماضي.

لا عجب أن تتغير نظرة الطفل تمامًا إلى الحياة والأشخاص من حوله، وأن تضطرب علاقاته، فالصدمات كما تعيد تشكيل شخصيته تعيد تشكيل دماغه تمامًا.

ما يجب علينا فهمه أن الصدمات ليست مقتصرة على حوادث الفقد والحرب، فقد تنشأ نتاج مواقف أقل صخبًا كالإهانة أو الإساءات اللفظية أو علاقات الوالدين المضطربة أو الاحتراق الوظيفي، وهذا ما يؤكده بروس قائلًا: «حتى عند غياب أحداث صادمة كبرى، فإن الضغوطات غير المتوقعة أو الممتدة لفترات طويلة كافية لجعل أنظمة الاستجابة للضغط لدينا بالغة الحساسية والنشاط ومفرطة في رد الفعل، مما يؤدي إلى خلق عاصفة داخلية».

«الخلل فيَّ أنا»: الأطفال كأكياس رمل للتنفيس

 

ربما لم يفهم أحد أن بعض التوجهات الناقمة على العالم والساخطة على السماء والرافضة لفكرة الغائية والحكمة التي ترتكز عليها الأديان لم تكن سوى نتاجًا لتجارب أفقدت الأمان، ولكن هذا الغضب في حقيقته ليس سوى عرَضًا من أعراض وجع دفين.

تخلط نفوسنا الناشئة بين الله والسلطة الأبوية، فمثلًا قد يؤدي الخلط بين نموذج الأب الناقد وبين الله إلى نشوء ضمير جلاد وصوت خفي دائم الصفع. ولذا فإن كثيرًا من المتعثرين في علاقتهم بالله قد يكون تعثرهم بسبب مشكلات في ارتباطهم بالوالدين، حدث جراءها تحويل انفعالي لغضبهم من السلطة الأبوية إلى الله والدين.

ربما يكون أحد أكثر أنواع الإيذاء نعومة وخفاء، والذي قد لا يحدث بقصد الإساءة، هو إفراغ الأبوين لما يختلج في صدريهما من خيبة وألم تجاه بعضهما ورواية تفاصيل معاناتهما على أسماع الأطفال، خلطًا منهما بين الصداقة والاستغلال.

يتحول الأطفال إلى أكياس رمل للتنفيس، يفرغ فيهم الوالدان كل شحناتهما السلبية، فينشأ الطفل مشحونًا بمشاعر مستوردة، وتحتشد في نفسه أحاسيس دخيلة، ويمتلئ بانفعالات لا ينتمي لها، فيؤدي ذلك إلى الغضب وانعدام الأمان والقلق وغياب الثقة.

يؤكد الدكتور عماد في كتابه أن النشأة تحت سطوة أبوية لا تجعل الأبناء يكبرون ليكرهوا آباءهم، وإنما يكبرون وهم يكرهون أنفسهم.

يكبر كل من تعرض للإساءة من قبل والديه وهو يشعر بأنه غير مستحق للحب وأن أحدًا لا يمكن أن يقبله كما هو، فيفكر لا واعيًا: «الخلل فيَّ أنا»، كجزء من محاولة المحافظة على صورة الأبوين المثالية، إذ لا يمكن أن نراهما على خطأ، لذا فنحن الخطأ.

وهكذا نفهم لماذا لا يستطيع الذين يعيشون وسط أسر معطوبة تملؤها الصراعات أن يحبوا أنفسهم، فقد حدث تشوه في بنية التواصل الوجداني.

يعاني بعضنا من التسلط الأبوي، في محاولة مستميتة باسم التربية والمصلحة لإنتاج طفل بمواصفات قياسية يتحول إلى بالغ منتج بفعالية. يبدأ الطفل رحلة تدريبية مكثفة من «افعل ولا تفعل» و«لازم يتأدب ويعرف إن الله حق»، يستخدم خلالها الآباء الدين والتقاليد مبررًا لما يمارسونه من سلطة على الأبناء.

يتربى الأبناء على القمع والترهيب والنهر في عالم يطالبهم بالمثالية، ويُعاملون كمشروع تفوق يحقق الآباء طموحاتهم من خلاله، أو تُنشأ الفتاة مثلًا على عقيدة العورة حتى تصلها رسالة ضمنية غير ملفوظة تتمثل في أن وجودها بذاته عورة ينبغي إخفاؤها. تصل للطفل رسالة أنه غير مستحق للحب ما لم يصِر شيئًا يطلبه منه أبواه أو المجتمع، وهنا يتخلى الإنسان عن حقيقته ويسعى لصنع ذات مفبركة تتوافق مع مقاييسهم.

مراحل التجاوز

 

«إن أقصى وأرقى نشاط يمكن للإنسان أن يفعله هو الفهم، فأن تفهم يعني أن تصبح حرًا» – سبينوزا.

تخزن أذهاننا كل الذكريات المؤلمة، وتكرر استحضارها لتحمينا من تكرار الوقوع فيها. وبقدر الألم المرافق لأي حادث، يكون مقدار الإلحاح الدماغي في التذكير به. البوح هو تحرير المشاعر العالقة، وكأننا نخبر عقلنا بأننا نتذكر: «اطمئن، فلا حاجة لمزيد من التذكير». قد يكون البوح عن طريق التحدث إلى شخص نثق به أو معالج نفسي، أو حتى بالكتابة أو الرسم وغيره.

ثم إن الطريق المؤدي لتجاوز أي شيء يكون من خلاله، فتجاهل الأمر أو إنكاره أو التلهّي عنه مجرد محاولات تسكين مؤقتة للألم. التعافي يحتم المجازفة بالخروج من منطقة الراحة الزائفة، فلا بد أن تعبر بالآخرين، بالالتحام بهم والانغماس في التفاعل معهم، لأن الحياة ستستمر في السير، والتعافي لن يكتمل سوى عبر مجازفة القفز نحوها.

ولكي يتم التعافي بصورة مكتملة وسليمة، علينا أولًا أن نفهم مساره وأن نعطي أنفسنا الوقت الكافي للمرور على مراحله الواحدة تلو الأخرى حتى نصل إلى الشفاء التام.

  • المرحلة الأولى: الإنكار

يتجلى الإنكار في تجاهل الألم أو ادعاء تجاوزه، بتكوين صورة مثالية زائفة، أو محاولة تبرير المأساة كقول إنها كانت ضرورة تربوية أو أن المرء هو من تسبب بها لنفسه، ما يجعل المحيطين بنا غير قادرين على فهم استغاثاتنا، لأنهم لم يعتادوا طلبنا للمساعدة أو اعترافنا بالضعف.

  • المرحلة الثانية: الغضب

تلك الحالة التي تعتري الناجين من الغضب وعدم القدرة على الغفران وتكرر ذكريات الإساءة وتحميل الآخرين مسؤولية الشتات والتمزق الداخلي هي حالة طبيعية للغاية، لا حاجة للامتلاء بالذنب، لا بأس أن تتوقف قليلًا لتغضب أو تبكي على خيبتك وخساراتك، فالغضب ضرورة للتحرر.

  • المرحلة الثالثة: استعادة الذات

في هذه المرحلة نبدأ بالتركيز على الحل لا المشكلة، ونتحمل مسؤولية التعافي ولا نكتفي بالشكوى، وأهم ما ينبغي فعله الآن هو منع التعرض للمزيد من الأذى ووضع الحدود. لا تحاول الإسراع، فعملية التعافي تحتاج منا لبعض الوقت.

  • المرحلة الرابعة: التجاوز

عندما نتوقف عن الشعور بأننا عالقين في الماضي، نبدأ في التصالح مع ما حدث، فقد حان وقت المضي قدمًا. كما أن فهم المؤذي يساعدنا في التعافي، فأقسى الأفعال أحيانًا تحدث بدوافع طيبة ونوايا حسنة، وهذا لا يبررها، لكن التشوه في الحقيقة كان في الفعل والاعتقاد وليس الشعور.

وأخيرًا وليس آخرًا، علاقتنا بذواتنا هي مرتكز كل اضطرابات علاقاتنا بالآخرين، والحب السليم للنفس لا يتعلق بالدرجة بل بالنوع، فهو ليس شيئًا كميًا يقبل التفاضل، ولذا فإن العلاج النفسي في حقيقته هو نوع من المصالحة مع الذات ومحاولة فهمها والتعاطف معها وقبولها. وفي النهاية، يبدو أنه ليكتمل الشفاء لا بد أن تلتفت إلى الشخص الوحيد الذي عشت طوال حياتك في محاولة للهرب والتخلص منه: أنت.

Continue Reading
Click to comment

اترك رد

تاريخ

الأسلحة التي حققت للإسكندر الأكبر الفتوحات العالمية

Published

on

الأسلحة التي حققت للإسكندر الأكبر الفتوحات العالمية

الأسلحه التي استخدمها جيش الإسكندر الاكبر

في عصره والذي قام فيه بتوسيع إمبراطوريته بشكل كبير، استخدم “الإسكندر الأكبر” أسلحة متنوعة ومتطورة لغزو العالم المعروف آنذاك.

من بين هذه الأسلحة كانت السيف الذي استخدمه المشاة وسلاح الفرسان والحرس الملكي. يبلغ طول السيف حوالي 30-45 بوصة وكان مصنوعًا عادة من الحديد أو الفولاذ، وكان السيف سلاحًا فعالًا للهجوم القريب وكذلك للدفاع.

تضمنت أسلحة جيش الإسكندر الأكبر أيضًا الرمح، وكان يستخدم هذا السلاح بشكل رئيسي من قبل المشاة وسلاح الفرسان. كان الرمح عادة طوله حوالي 7 أقدام وكان لديه نقطة إضافية على الطرف الآخر للدفع، مما جعله سلاحًا فعالًا للهجوم القريب.

وكانت الأقواس والسهام جزءًا أساسيًا من جيش الإسكندر الأكبر. كان الرماة يستخدمون الأقواس والسهام لتحقيق تأثير كبير على الأعداء، كان طول الأقواس عادة حوالي 5 أقدام وكانت السهام مصنوعة من الخشب بطرف معدني.

الأسحله المستخدمه في عهد الإسكندر الأكبر

وكانت القاذفات جزءًا آخر من أسلحة جيش الإسكندر الأكبر. كان القاذفون يستخدمون القاذفات لرمي الحجارة على أعدائهم. كانت القاذفة مصنوعة من الجلد مع حبلين متصلين بها، وكانت تستخدم للهجوم على المدافع.

أخيرًا، كان لدى جيش الإسكندر الأكبر منجنيق، كانت هذه آلات خشبية كبيرة يمكنها رمي الحجارة أو الرماح أو حتى لتر من الزيت المشتعل. كانت تستخدم لإطلاق مقذوفات على قوات العدو.

جيش الإسكندر الأكبر كان معروفًا بتعدد استخداماته وقدرته على التكيف، واستخدم مجموعة واسعة من الأسلحة لغزو العالم المعروف.

ترك أسلحة هذا الجيش بصمة كبيرة على التاريخ وساهمت في تغيير المسارات الثقافية والسياسية للعديد من الأمم.

Continue Reading

قصص و روايات

“الحضارة الفرعونية في مواجهة وحشية الإسكندري الاكبر: صراع بين الحضارات”

Published

on

الحضارة الفرعونية في مواجهة وحشية الإسكندري الاكبر: صراع بين الحضارات

وفقًا للمؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه “تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة: من بداية التاريخ إلى الفتح العربي”، وصل النزاع بين الفرس والإغريق، أو اليونانيين، إلى مرحلة حاسمة عندما تسلم الإسكندر العظيم الحكم في مملكة مقدونيا وهو في سن العشرين. في ذلك الوقت، كانت الإمبراطورية الفارسية قد امتدت بشكل واسع، شملت غرب آسيا من الهند إلى البحر المتوسط، وكانت لها قوة بحرية هائلة على السواحل البحرية وسيطرتها عليها. كانت سوريا وفلسطين جزءًا من إمبراطوريتها.

قرر الإسكندر الاكبر تحقيق الفوز على العدو الفارسي القوي، فقام بتجهيز جيش كبير وقاده عبر مضيق الدردنيل، المعروف أيضاً بـ “هلسبونت”. وفي معركة ملحمية على ضفاف نهر “جرانيق”، الذي يصب في بحر مرمرة، نجح الإسكندر في تحقيق انتصار هائل في عام 334 قبل الميلاد. بعد هذا الانتصار، شق طريقه عبر الساحل الغربي لآسيا الصغرى ووسط الأناضول.

وصل الإسكندر إلى مواجهة الفرس في معركة “إيسوس” في عام 333 قبل الميلاد، والتي وقعت على شاطئ خليج الإسكندرية الذي يعرف اليوم بخليج الإسكندرية. في هذه المعركة، حقق الإسكندر انتصارًا ساحقًا، حيث فر الملك داريوس الثالث هاربًا إلى “بابل”.

بعد معركة إيسوس، قرر الإسكندر عدم متابعة مطاردة الملك داريوس، بل قرر التوجه أولاً نحو البلاد الواقعة على سواحل البحر المتوسط. كان هدفه هو تحقيق السيطرة عليها وتخضيعها، وذلك لتعزيز سيطرته ومنع استخدام الأسطول الفارسي لها كقواعد تعوق تقدمه.

كانت هذه الخطة الدقيقة إشارة إلى رؤيته الاستراتيجية وحدة نظره البعيدة، وحسن تقديره للميدان الحربي. تقدم الإسكندر بجيشه نحو ثغور البحر المتوسط في فينيقيا وسوريا وفلسطين، حيث تمكن من استعمارها وإخضاعها لسيطرته. امتدت سيطرته إلى دمشق وبيت المقدس، وتم استيلاؤه على ثغور أخرى دون مقاومة، باستثناء “صور” التي قاومت بشدة. استمر الإسكندر في حصار صور وفتحها بالقوة، كما واجهت غزة مقاومة شديدة حتى اضطر إلى حصارها وتحقيق السيطرة عليها.

ثم وصل إلى مشارف مصر على رأس جيشه البالغ نحو أربعين ألف مقاتل، يعاونه أسطوله الذي كان يسير على مقربة من الشاطئ، ووبلغ بيلوز (الفرما)، وكانت وقتئذٍ أول حدود مصر.

في عام 332 قبل الميلاد، دخل الإسكندر مصر بعد أن ضعفت هزائم الفرس أمام تقدمه، وواجهوا صعوبة في التصدي له. وصل إلى مصر في خريف ذلك العام، دون مواجهات، حتى وصل إلى “منف”، العاصمة الحاكمة في تلك الفترة. لم يجد الوالي الفارسي الذي كان يدير شؤون مصر وسط هذه الظروف أي فرصة للمقاومة، حيث رأى أن مقاومة الإسكندر لن تكون ذات جدوى.

وقد ابتهج المصريون لهزيمة الفرس، ورأوا في الإسكندر بادئ الأمر منقذًا لهم من الاحتلال الفارسي، ولم يكونوا لينسوا أن الفرس قد انتزعوا عرش مصر من آخر ملوك الفراعنة وأقاموا حكمًا أجنبيًّا بغيضًا امتهَنَ كرامة بلادهم، مما حفزهم إلى الثورة عليه ثلاث مرات.

أشار المؤرخ عبد الرحمن الرافعي إلى أن الإسكندر أظهر احترامًا كبيرًا لديانة المصريين ولعاداتهم وتقاليدهم. ولم يقتصر ذلك، بل قام بتتويج نفسه بتتويج فرعوني في معبد “بتاح” بمدينة “منف”. اقتدى بطقوس الفراعنة القدامى عندما كانوا يتولون حكم مصر. وبما أن المصريين رمزوا بالكبش المقدس إلى الإله آمون، فقد أمر الإسكندر بتمثيل قرني “آمون” في صورته، مما جعل بعض مؤرخي العرب يطلقون عليه لقب الإسكندر ذي القرنين.

Continue Reading

تاريخ

“الحصار الدموي لغزة في عام 332 قبل الميلاد: فترة مظلمة في تاريخ الإسكندر الأكبر”

Published

on

"الحصار الدموي لغزة في عام 332 قبل الميلاد: فترة مظلمة في تاريخ الإسكندر الأكبر"

في عام 332 قبل الميلاد، وقع حصار غزة، وكان جزءًا من حملة “الإسكندر الأكبر” على مصر، ملك مقدونيا اليونانية القديمة. كان هذا الحصار جزءًا من الأسرة الحادية والثلاثين في مصر، التي كانت مرزبانية للإمبراطورية الأخمينية الفارسية.

خلال الحصار، نجح الإسكندر في الوصول إلى الجدران باستخدام المحركات التي استخدمها ضد صور بعد ثلاث اعتداءات فاشلة، اقتحمت الحصن المعقل.

توقع “باتيس”، الخصي وقائد حصن غزة، إخضاع مصر إلى أن يتمكن الملك الفارسي “داريوس الثالث” من تكوين جيش آخر ومواجهة الإسكندر في معركة من هذه المدينة.

كان الحصن يقع في مكان مرتفع على حافة صحراء يمكن من خلالها السيطرة على المنطقة المحيطة بسهولة.

مكنت من السيطرة على الطريق الرئيسي الذي كان يذهب من بلاد آشور الفارسية إلى مصر. المدينة، التي يزيد ارتفاعها عن 18 مترًا (60 قدمًا)، كانت تُستخدم تقليديًا للسيطرة على المنطقة المحيطة، والتي كانت حتى ذلك الحين مرتعًا للمعارضة.

كان باتيس على علم بأن الإسكندر كان يسير على الساحل، حيث كان قد انتصر للتو في صور. لذلك قام بتزويد غزة بحصار طويل، ومن المحتمل أنه كان على علم بنيّة الإسكندر للسيطرة على ساحل البحر الأبيض المتوسط بأكمله قبل الانتقال إلى بلاد فارس.

عند وصوله، خيم الإسكندر بالقرب من الجانب الجنوبي من المدينة واعتبر الأسوار الجنوبية هي الأضعف. ويُزعم أن التلال شُيدت بسرعة، على الرغم من اعتقاد المهندسين بعدم إمكانية استكمالها بسبب طبيعة التحصينات في غزة.

حصار غزة

في أحد الأيام خلال الحصار، قام سكان غزة بطلعة جوية ضد معدات حصار العدو التي تم تشييدها في الموقع، وقاد الإسكندر حراسه الذين يحملون دروعه إلى هجوم مضاد. أصيب في كتف الإسكندر أثناء المحاولة.

وفقًا لما ذكره أريان، تم الانتهاء من بقية التلة بعد فترة وجيزة، حول غزة بأكملها.

وفي فترة غير محددة بعد ذلك، وصلت معدات الحصار من صور، وتم استخدامها أيضًا. بعد ذلك حطم المقدونيون أقسامًا رئيسية من الجدار. بعد ثلاث محاولات لدخول المدينة، دخل المقدونيون المدينة أخيرًا وقاتل سكان غزة بمرارة وفي وقت من الأوقات، تظاهر أحد المرتزقة العرب بالاستسلام، وبعد نقله إلى المعسكر المقدوني، هاجم الإسكندر الذي أصيب بجروح طفيفة قبل أن يُسقط العربي.

عواقب الحصار كانت كارثية لسكان غزة. بعد رفض باتيس الاستسلام للإسكندر، حدثت مأساة بشعة. فقد قام الإسكندر بإعدام الرجال وبيع النساء والأطفال كعبيد.

وفقًا للمؤرخ الروماني “كوينتوس كورتيوس روفوس”، تمت معاملة باتيس بطريقة مروعة على يد الإسكندر، حيث تم دفع حبل بين عظم الكاحل ووتر العرقوب، ثم جر باتيس حيًا بعربة حربية تحت أسوار المدينة حتى مات. وعلى الرغم من أن الإسكندر كان يميل إلى إظهار الرحمة للجنرال الفارسي الشجاع، غاضبًا من رفض باتيس الركوع ومن صمت قائد العدو المتغطرس وأسلوب الازدراء.

نتيجة لهذا الحصار، تقدم الإسكندر بأمان جنوبًا إلى مصر، دون أن يتعرض خط اتصالاته للتهديد من الشمال من قبل باتيس من غزة.

Continue Reading

تابعنا

Advertisement

تابعونا

mia casa

متميزة