أظهرت دراسة حديثة لمسوحات الدماغ كيف يقوم البشر بتقسيم التجارب المستمرة إلى أجزاء ذات مغزى، مثل المشاهد في الأفلام. أعدت هذا التقرير بروفيسور جينيفر زيبا، أستاذة في علم الوراثة البشرية بجامعة كاليفورنيا، ونُشر في موقع Live Science.
تقدير أكبر من السيطرة:
تشبه طريقة تقسيم الدماغ للذكريات اليومية طريقة تقسيم الأفلام إلى مشاهد. ينظم دماغ الإنسان ذكرياته على شكل أجزاء، تفصل بين أوقات مثل الخروج لتناول الغداء والعودة إلى المنزل.
لكن في الأفلام، يقرر المخرج والمونتير متى ينتهي المشهد ويبدأ الآخر. بينما يستطيع الدماغ البشري وضع حدود بين المشاهد، رغم أن التحولات في البيئة يمكن أن تملي متى يبدأ المشهد الجديد.
في ورقة بحثية نُشرت مؤخرًا في دورية Current Biology، اكتشف الباحثون أن دماغ الإنسان يمتلك قدرة أكبر على التحكم في كيفية تفسير أحداث اليوم أكثر مما كان يُعتقد سابقًا.
الدماغ وتقسيم الأحداث اليومية:
أراد كريستوفر بالداسانو، كبير باحثي الدراسة والأستاذ المساعد في علم النفس بجامعة كولومبيا، وفريقه فهم ما يدفع الدماغ لتشكيل حدود حول الأحداث اليومية. كانت النظرية الرائدة تفيد بأن هذه الحدود تُحدد بسبب تغيير كبير في البيئة، مثل الدخول إلى صالة سينما أو متجر بقالة.
ومع ذلك، تشير فرضية أخرى إلى أن هذه الحدود تنشأ من تجارب الشخص ومشاعره السابقة بشأن أحداث معينة. لذا، بينما يمكن أن يؤثر التغيير في البيئة على تقسيم يوم شخص ما، قد يتجاوز هذا التأثير أولوياته وأهدافه الشخصية.
16 سردًا صوتيًا قصيرًا:
لاستكشاف هذه الفرضيات، أعد البروفيسور بالداسانو وفريقه 16 سردًا صوتيًا قصيرًا. شمل كل سرد أربعة مواقع: مطعم، قاعة محاضرات، متجر بقالة، ومطعم مرة أخرى. كما تضمن أربعة مواقف اجتماعية: صفقة تجارية، “لقاء لطيف”، عرض زواج، وانفصال.
استمع المشاركون إلى هذه الروايات مثل البث الصوتي بينما استخدم العلماء التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) لمسح أدمغتهم. من خلال طريقة خاصة، تم تتبع التغيرات في نشاط الدماغ، وخاصة في القشرة الجبهية الأمامية الوسطى (mPFC)، وهو جزء يدرك ويفسر المدخلات من البيئة المحيطة.
زيادة نشاط mPFC:
قال بروفيسور بالداسانو إنه تم تطوير أداة جديدة لفهم كيفية تقسيم الأشخاص لهذه التجارب. تمكن الباحثون من تتبع متى شكل المشارك حدودًا جديدة أثناء السرد.
ارتفع نشاط القشرة الجبهية الأمامية الوسطى عندما تغيرت الأحداث الاجتماعية الرئيسية في القصة، مثل إغلاق الصفقة التجارية أو قبول عرض الزواج. لكن إذا طلب الباحثون من المشاركين التركيز على ميزات المواقع، مثل الجلوس في مطعم وطلب الطعام، فإن تقسيمهم للأحداث يتغير، وكذلك نشاط أدمغتهم.
مرونة ونشاط الذاكرة:
كشفت الدراسة عن اختلافات في كيفية تذكر المشاركين للروايات بعد سماعها. عندما طُلب منهم تذكر جزء من القصة لم يتم الانتباه إليه، حدث نسيان كبير للعديد من التفاصيل.
قال بالداسانو: “يمكن اعتبار ذلك شيئًا جيدًا أو سيئًا. الحالة الذهنية للشخص تؤثر على ذاكرته لما حدث بالفعل”.
ديفيد كليويت، أستاذ مساعد في علم النفس الإدراكي بجامعة كاليفورنيا والذي لم يشارك في الدراسة، وصف النتائج بأنها مثيرة لأنها تكشف عن مرونة ونشاط الذاكرة. أشار إلى أن “الشخص يمكنه اختيار ما ينتبه إليه وما يتم تذكره، مما يعني أنه يتحكم في سرد تجاربه الخاصة”.
خطر التفشي “مرتفع جداً”:
تظهر الدراسة بعض الصعوبات الشائعة في تقسيم الأحداث في حالات مثل اضطراب ما بعد الصدمة، والخرف، والشيخوخة الطبيعية.
أوضح بروفيسور كليويت أن “العلاجات القائمة على الذاكرة يجب أن تركز على اللحظات الرئيسية التي تعكس جوهر التجربة، لمساعدة الأشخاص على فهم وتذكر ما هو أهم بشكل أفضل”.
لا تعليق