التكبر هو صفة ذميمة تميز بها إبليس وجنوده من أهل الدنيا، وقد طمس الله تعالى على قلوبهم. يُعتبر إبليس هو أول من تجبر على الله وعلى خلقه عندما أُمر بالسجود لآدم، لكنه أبى واستكبر، فقال: “أنا خير منه، خلقتني من نار وخلقته من طين”.
قال الله تعالى:
“وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ” (الأعراف: 11-12).
إن الكبر هو من أخلاق إبليس، ومن يسعى إلى التكبر فإنه يتخلق بأخلاق الشياطين، بعيدًا عن أخلاق الملائكة المكرمين الذين أطاعوا ربهم وسجدوا له.
كما أن الكبر هو سبب حرمان صاحبه من الجنة، ويمنعه من أن ينظر إليه رب العزة، كما جاء في الأحاديث الشريفة.
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر”. فقال رجل: “إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا”. فأجاب النبي: “إن الله جميل يحب الجمال. الكبر هو بَطَر الحق وغَمْط الناس”. رواه مسلم (91).
وبطر الحق يعني رفض الحق بعد معرفته، بينما غمط الناس يشير إلى احتقارهم.
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مَن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة”. فقال أبو بكر: “إن أحد شقي ثوبي يسترخي، إلا أن أتعاهد ذلك”. فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنك لست تصنع ذلك خيلاء”. رواه البخاري (3465).
الكبر هو صفة لا ينبغي أن تكون إلا لله تعالى، ومن ينازع الله في هذه الصفة أهلكه الله وقصمه وضيق عليه.
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما، قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “العز إزاره والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذبته”. رواه مسلم (2620).
قال النووي: “هكذا هو في جميع النسخ، فالضمير في ‘إزاره’ و’رداؤه’ يعود إلى الله تعالى. وفيه محذوف تقديره: ‘قال الله تعالى: ومن ينازعني ذلك أعذبه.’ ومعنى ‘ينازعني’ هو أن يتخلق بذلك ويصبح في معنى المشارك. وهذا وعيد شديد للكبار، مصرح بتحريمه” (شرح مسلم، 16/173).
كل من حاول التكبر والارتفاع، فإن الله تعالى يخفضه في الأسفلين ويجعله في الأذلين لأنه خالف الأصل، فيجازيه الله بنقيض قصده، فقد قيل: “الجزاء من جنس العمل”.
الشخص المتكبر على الناس سيكون يوم القيامة مداساً تحت أقدامهم، إذ يذله الله جزاءً لما كان منه من الكبر.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذرِّ في صُوَر الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى ‘بولس’، تعلوهم نار الأنيار، ويسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال”. رواه الترمذي (2492) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي (2025).
للكبر صور عدة منها:
- لا يقبل الرجل الحق ويجادل بالباطل، كما ذُكر في حديث عبد الله بن مسعود: “الكبر: بطر الحق وغمط الناس”.
- قد يعجب الرجل بنفسه لجماله أو حُسن مظهره، أو لثرائه في الملبس أو المأكل، فيتبختر ويتكبر ويفخر على الناس.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: “بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه، مرجل جمته، إذ خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة.”
رواه البخاري (3297) ومسلم (2088).
ومن الأمثلة على ذلك، ما ورد عن الرجل صاحب الثمر، الذي قال الله تعالى عنه: “وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره: أنا أكثر منك مالًا وأعز نفراً”. (الكهف: 34).
- كما قد يتفاخر البعض بعشيرتهم ونسبهم.
علاج الكبر:
من طرق علاج الكبر أن يدرك الإنسان أنه مثل الآخرين، جميعهم وُلدوا من أم وأب، وأن التقوى هي المعيار الحقيقي. قال الله تعالى: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”. (الحجرات: 13).
ويجب أن يعلم المسلم المتكبر أنه مهما بلغ من علوٍ، فإنه أضعف من أن يبلغ طول الجبال أو يخرق الأرض، كما قال الله تعالى: “ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحًا، إن الله لا يحب كل مختال فخور. واقصد في مشيك واغضض من صوتك، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير”. (لقمان: 18-17).
قال القرطبي: “ولا تمش في الأرض مرحًا” نهى عن الخيلاء وأمر بالتواضع. والمرح يعني شدة الفرح أو التكبر في المشي أو تجاوز الإنسان قدره. وذكر قتادة أنه يشير إلى الخيلاء في المشي، وهو أيضًا البطر والأشر والنشاط.
هذه الأقوال تتقارب، ولكنها تنقسم إلى قسمين:
- مذموم: التكبر والبطر والخيلاء وتجاوز الإنسان قدره.
- محمود: الفرح والنشاط.
(تفسير القرطبي، 10/260).
ومن العلاجات أيضًا أن يعلم الإنسان أن المتكبر سيُحشر يوم القيامة صغيرًا كأمثال الذر تدوسه الأقدام، وأنه مبغوض عند الناس كما هو مبغوض عند الله. الناس يحبون المتواضع السمح اللين، ويبغضون الغليظ والشديد.
وعليه أن يتذكر أنه خرج من مكان واحد مع البول، وأن بدايته كانت نطفة قذرة ونهايته جيفة نتنة، وهو بين ذلك يحمل العذرة (أي البراز). فبماذا يتكبر؟
نسأل الله تعالى أن يعيدنا من الكبر وأن يرزقنا التواضع. والله أعلم.
طرق علاج التكبر الآخرى:
- معاملة النفس بلطف والبعد عن المثالية:
يجب دائمًا تذكير النفس بأهمية الابتعاد عن المثاليات، فليس هناك حالة مثالية بنسبة مئة بالمئة في الحياة. من الضروري أيضًا معاملة النفس بلطف وتجنب القسوة، والتأنيب المستمر، واللوم، وجلْد الذات. فهذه الأمور قد تدفع الإنسان إلى تعويض النقص العاطفي بالتكبر.
- الاعتراف بالخطأ:
من الضروري قبول الأخطاء والاعتراف بها بدلاً من التهرب من المسؤولية. يمكن استخدام عبارات مثل: “أعرف أنني على خطأ وأتحمل المسؤولية، وأنا مستعد لإصلاح الخطأ”، بدلاً من إلقاء اللوم على الآخرين.
- البعد عن التعصب:
يجب منح الآخرين المساحة للتعبير عن أنفسهم وتقبل الرأي الآخر، مع الابتعاد عن الاعتقاد بأننا نعرف الحقيقة دائمًا.
- السماح للآخرين بالمبادرة:
من أبرز طرق علاج التكبر هو السماح للآخرين بالقيام بالمبادرات وتنفيذ الأعمال المختلفة، والعمل تحت إشرافهم. كما ينبغي عدم تقديم الاقتراحات إلا إذا كانت ذات قيمة فعلية، وليس من باب الاستعراض.
- طلب المساعدة من الآخرين:
طلب المساعدة عند الحاجة يعتبر سلوكًا منطقيًا، وهو اعتراف بأن هناك من يمتلك معرفة أكثر في مجال معين. بالإضافة إلى ذلك، يجب شكر الأشخاص المعنيين ونسبة الفضل إليهم.
- مدح الآخرين عند القيام بأمر يستحق الثناء:
من الضروري تعويد النفس على رؤية الجوانب الجميلة في الآخرين، من خلال مدحهم عند قيامهم بأعمال رائعة، أو عند حصولهم على ترقية، أو في أي موقف مناسب.
لا تعليق