"صلاة الاستخارة: الطريقة الصحيحة والدعاء المستحب"

يتساءل الكثيرون عن الطريقة الصحيحة لأداء صلاة الاستخارة، وفيما يلي نقدم إجابة دار الإفتاء المصرية عن السؤال: كيف تُصلّى صلاة الاستخارة بشكل صحيح؟ وما هو الدعاء المستحب فيها؟

كيف تُصلّى صلاة الاستخارة بطريقة صحيحة؟

الاستخارة تعني طلب التوفيق في اختيار الأفضل بين أمرين، ويقال: “استخر اللهَ يَخِرْ لك”، أي اطلب من الله أن يختار لك ما هو خير. وعبارة “اللهم خِرْ لي” تعني: اختر لي الأفضل من بين الأمرين، واجعل لي الخير في هذا الاختيار. فتكون الاستخارة وسيلة لطلب التوجيه الإلهي في اتخاذ القرار الأفضل عند الحاجة إلى الاختيار بين أمرين.

حث الشرع الشريف المؤمنين على أداء صلاة الاستخارة واعتبرها سببًا لسعادة الإنسان، بينما جعل تركها من أسباب شقائه. فقد روى الإمام أحمد في “مسنده” عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَتُهُ اللهَ، وَمِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَى اللهُ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ اللهِ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ سَخَطُهُ بِمَا قَضَى الله عَزَّ وَجَلَّ».

أما عن الطريقة الصحيحة لأداء صلاة الاستخارة، فلم يرد في السنة النبوية تخصيص قراءة سورة معينة في كل ركعة. وقد ذكر الإمام النووي أنه يُستحب قراءة سورة “الكافرون” في الركعة الأولى، وسورة “الإخلاص” في الركعة الثانية. يُراجع في ذلك كتاب “الأذكار النووية” (ص: 213، ط. دار ابن كثير).

ذكر الحافظ زين الدين العراقي أنه لم يجد في أي من روايات حديث الاستخارة تحديدًا لسورة معينة تُقرأ في ركعتيها، لكنه أشار إلى أن اختيار النووي لسورتي “الكافرون” و”الإخلاص” كان مناسبًا، لأنهما تعبّران عن الإخلاص، مما يتماشى مع الهدف من صلاة الاستخارة التي تعكس إخلاص النية والتفويض لله. وأضاف أن هذا الرأي كان قد طرحه الغزالي من قبل، وأن قراءة الآيات التي تذكر الخيرة مثل آية من سورة القصص أو الأحزاب يعد خيارًا جيدًا أيضًا. جاء ذلك في “الفتوحات الربانية” لابن علان الصديقي (3/ 354-355، ط. جمعية النشر والتأليف الأزهرية).

المقصود بآية القصص هو قوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ﴾ [القصص: 68]، أما آية الأحزاب فهي قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: 36].

ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه “فتح الباري” (11/ 185، ط. دار المعرفة) أن الأفضل هو قراءة السورة والآية معًا في كل ركعة؛ فيقرأ الآيتين الأوليين في الركعة الأولى، والآيتين الأخريين في الركعة الثانية.

يُستحب أن يُفتتح الدعاء ويُختتم بالحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. يُراجع في ذلك كتاب “الأذكار النووية”.

ما هو دعاء الاستخارة كامل؟

الأصل في صلاة الاستخارة هو أداؤها بركعتين غير الفريضة، ثم الدعاء بالدعاء الوارد في السنة. فقد أخرج البخاري عن جابر رضي الله عنه أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُعلمنا الاستخارة في جميع الأمور كما يُعلمنا السورة من القرآن، حيث قال: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الأَمْرَ -ثم تُسَمِّيهِ- خَيْرًا لِي فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ -أو في ديني ومعاشي وعاقبة أمري- فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ. وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أو في عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ».

هل دعاء الاستخارة بعد التسليم أم قبله؟

الأفضل أن يُؤخَّر الدعاء المذكور عن الصلاة، وذلك وفقًا لظاهر الحديث الشريف: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: ..»؛ حيث أشار الحافظ ابن حجر في “فتح الباري” (11/ 186) إلى أن هذا الظاهر يُشير إلى تأخير الدعاء عن الصلاة. ومع ذلك، إذا دعا به أثناء الصلاة، فقد يُحتمل أن يكون الدعاء صحيحًا، إلا أن الترتيب المفضل هو البدء بالصلاة قبل الدعاء، إذ أن موطن الدعاء في الصلاة يكون في السجود أو التشهد.

لا تعليق

اترك رد