لا تزال الدراسات مستمرة في استكشاف العلاقة المحتملة بين الأشخاص المصابين بالتوحد ومشاكل الجهاز الهضمي، مثل الإمساك والإسهال والانتفاخ والقيء.

في الوقت الذي بدأ فيه الباحثون مؤخراً في اكتشاف الروابط بين تركيب الميكروبات واضطرابات النمو العصبي، كشفت دراسة حديثة عن تطورات جديدة في هذا المجال.

أظهرت النتائج أن اضطراب طيف التوحد يرتبط بتغيرات ملحوظة في تكوين ووظيفة مجموعة متنوعة من الكائنات الحية الدقيقة في الأمعاء.

تمهد النتائج الطريق لتطوير اختبار تشخيصي دقيق لهذه الحالة، وفقًا لما ذكره موقع New Atlas نقلاً عن دورية Nature Microbiology.

بكتيريا المعدة سبب الداء:

أضاف الباحثون أن الدور المركزي للميكروبيوم في تنظيم محور الأمعاء والدماغ وتأثيره على الصحة قد أصبح ذا أهمية متزايدة خلال العقد الماضي.

ارتبطت الأبحاث السابقة بتكوين بكتيريا الأمعاء بحالات دماغية مثل الاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة ومرض الزهايمر والتصلب المتعدد.

اضطراب عصبي معقد:

توصل بحث جديد أجرته جامعة هونغ كونغ الصينية إلى أن التغييرات في تكوين ووظيفة الكائنات الحية الدقيقة البكتيرية وغير البكتيرية ترتبط باضطراب طيف التوحد، وهو اضطراب عصبي معقد يؤثر على كيفية تفاعل الشخص مع الآخرين، والتواصل، والتعلم، والسلوك.

ورغم أن سبب التوحد لا يزال غير معروف، يُعتقد أنه ناتج عن تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية.

أظهرت الدراسة أيضاً أن الأمعاء تتواصل بشكل مباشر مع الدماغ، مما قد يساهم في تطور اضطراب طيف التوحد.

قرر الباحثون تبني هذه الفرضية بعد إجراء تحليل ميتاجينومي لعينات براز من 1627 طفلًا تتراوح أعمارهم بين عام واحد و13 عامًا.

تدرس الميتاجينوميات بنية ووظيفة الكائنات الحية المتنوعة وراثيًا الموجودة في عينات كبيرة، مثل البكتيريا والفيروسات والفطريات والعتائق، وهي كائنات وحيدة الخلية تفتقر إلى النواة.

عند مقارنة التغيرات في تنوع ميكروبات الأمعاء بين الأطفال الطبيعيين والأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، اكتشف الباحثون أن الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد أظهروا انخفاضًا في تنوع العتائق والبكتيريا والفيروسات.

في حين انخفضت الوفرة النسبية لـ 80 من أصل 90 نوعًا ميكروبيًا تم تحديدها بشكل ملحوظ لدى الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد مقارنةً بالأطفال الطبيعيين.

كان هذا الاكتشاف أكثر وضوحًا بالنسبة للمجتمعات البكتيرية، حيث تم استنفاد 50 نوعًا بكتيريًا لدى الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد، بينما تم إثراء نوع واحد فقط. كما توصل الباحثون إلى أن الوظيفة الميكروبية تأثرت أيضًا، مع تغييرات في الجينات الميكروبية والمسارات الأيضية لدى الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد.

لوحة ميكروبية وتشخيص دقيق:

بناءً على هذه المعلومات الميتاجينومية، طور الباحثون لوحة ميكروبية تحتوي على 31 علامة، واستخدموا نموذج تعلم آلي لاختبارها.

كشفت النتائج أن اللوحة الميكروبية ساعدت في تشخيص اضطراب طيف التوحد بدقة عبر مختلف الأعمار والجنسين والمجموعات السكانية والمواقع الجغرافية، وكانت أكثر فاعلية بكثير من الاعتماد على نوع واحد من الكائنات الحية الدقيقة، مثل البكتيريا.

وأشار الباحثون إلى أن الأدوار الحاسمة للكائنات الحية الدقيقة غير البكتيرية، مثل العتائق والفطريات والفيروسات، في محور الأمعاء والدماغ قد تم الكشف عنها سابقًا.

في هذه الدراسة، تم إجراء تحليل شامل للميكروبيوم عبر الممالك المختلفة ووظائفه باستخدام أكثر من 1600 جينوم من 5 مجموعات مستقلة من الأطفال. وأظهرت النتائج أن الأنواع القديمة والفطرية والفيروسية، بالإضافة إلى مسارات الميكروبيوم الوظيفية، يمكن أن تميز أيضًا بين الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد والأطفال الذين يُعتبرون طبيعيين.

بالإضافة إلى ذلك، أثبت أن النموذج القائم على لوحة مكونة من 31 علامة متعددة الممالك حقق دقة تنبؤية عالية في تشخيص اضطراب طيف التوحد.

وأشار الباحثون إلى أن دراستهم تمهد الطريق لتطوير اختبارات تشخيصية لاضطراب طيف التوحد في المستقبل.

وأضافوا أن هناك حاجة لمزيد من الدراسات لاستكشاف التفاعل بين العلامات الجينية المعروفة لاضطراب طيف التوحد ولوحات الميكروبيوم، لمعرفة ما إذا كان من الممكن تحسين دقة التشخيص وتشخيص اضطراب طيف التوحد في وقت مبكر.