Connect with us

ديني

“حكم الاحتفال وصيام يوم المولد النبوي الشريف 2024: تأملات وأحكام من دار الإفتاء المصرية”

Published

on

"حكم الاحتفال وصيام يوم المولد النبوي الشريف 2024: تأملات وأحكام من دار الإفتاء المصرية"

بمناسبة اقتراب موعد الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف 2024، حددت دار الإفتاء المصرية أن الأول من شهر ربيع الأول 1446هـ سيكون يوم 4 سبتمبر 2024، وبالتالي، يوافق الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحد، 15 سبتمبر 2024. في هذا السياق، نستعرض في السطور التالية حكم الاحتفال بهذه المناسبة وشراء الحلوى في هذا اليوم.

الاحتفال بالمولد النبوي الشريف:

أفاد مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية بأن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم هو تعبير عن تعظيمه والاحتفاء بفضله، ويعكس محبته التي تُعد من أركان الإيمان الأساسية.

وأوضح أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف يهدف إلى تجمع الناس على الذكر والإنشاد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، والثناء عليه، وإطعام الطعام صدقة لله، والصيام والقيام. وذلك إعلاناً لمحبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرحاً بقدومه إلى الدنيا، حيث كان ميلاده ميلاداً للحياة.

وقد كرَّم الله تعالى أيام ميلاد الأنبياء عليهم السلام وجعلها أيام سلام، كما قال سبحانه: “وسَلامٌ عليه يَوْمَ وُلِدَ” [مريم: 15]. ويُعَدُّ يوم ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم تجسيداً لنعمته، فهو سبب كل نعمة في الدنيا والآخرة.

كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن صيام يوم الاثنين، قال: “ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ” [رواه مسلم]. وهذا يُعتبر إشارة إلى مشروعية الاحتفال به صلى الله عليه وسلم بصيام يوم ميلاده.

قال السخاوي رحمه الله: “لقد استمر أهل الإسلام في مختلف الأقطار والمدن الكبرى على الاحتفال بشهر ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يقيمون الولائم الفاخرة التي تشمل أموراً بهيجة ورفيعة. يتصدقون بأنواع الصدقات في ليالي المولد، ويظهرون السرور، ويزيدون في الأعمال الخيرية، ويعتنون بقراءة سيرة المولد الكريم، مما يظهر عليهم بركات عظيمة وفوائد جليلة.” (الأجوبة المرضية: 3/1116).

وأكد السخاوي رحمه الله أن الاحتفال بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم جائز، ويُعد من وسائل إظهار المحبة والتقدير لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

حكم صيام المولد النبوي الشريف:

يقول الدكتور أحمد وسام، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الاثنين، وقد ورد في الأحاديث أنه كان يلتزم بصيام هذا اليوم. وعندما سُئل صلى الله عليه وسلم عن سبب صيامه يوم الاثنين، أجاب: “هذا يوم وُلِدتُ فيه”.

وأضاف وسام خلال بث مباشر لدار الإفتاء المصرية عبر صفحتها الرسمية على “فيس بوك”: “نقول ذلك ردًا على من يسأل عن حكم صيام يوم ذكرى المولد النبوي الشريف، حيث أوضح أن النبي صلى الله عليه وسلم صام يوم مولده شكراً لله على نعمة الإيجاد، وكان يحب الاحتفال بالطاعة”.

أفادت دار الإفتاء المصرية أن يوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو يوم منّ الله تعالى فيه على العالمين بإيجاد خير الأنام، مما يجعله جديرًا بمزيد من الفضل والاهتمام. يجب إظهار أسمى معاني الشكر لله تعالى من خلال الإكثار من الطاعات والقربات، ومن بينها صيام هذا اليوم. كما يستحق هذا اليوم أن يُظهر فيه المسلمون أثر النعمة في نفوسهم من خلال السعادة والسرور والاحتفاء، حيث يُعَدُّ فرح المؤمن بمولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعظم من فرحه بأي حدث أو عيد آخر.

أضافت دار الإفتاء المصرية: “ما تعود عليه من صيام يوم المولد النبوي الشريف يُعَدُّ أمرًا مشروعًا وفعلًا حسنًا، فهو من شكر الله على نعمه وإحسانه. كما يُعتبر هذا الصيام اقتداءً وتأسِّيًا بفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث كان يخصص يوم الاثنين، وهو يوم مولده الشريف، للصيام”.

Continue Reading
Click to comment

اترك رد

ديني

“كيفية تخصيص ثواب قراءة القرآن للميت: الأحكام والدعاء والتطبيقات الشرعية”

Published

on

"كيفية تخصيص ثواب قراءة القرآن للميت: الأحكام والدعاء والتطبيقات الشرعية"

ذكرت دار الإفتاء المصرية أنه لا حرج شرعًا في قراءة القرآن وتخصيص ثواب القراءة للميت، حيث ينفعه ذلك إن شاء الله. وقد جاء في حديث النبي ﷺ لعمرو بن العاص رضي الله عنه: «إنه لو كان مسلمًا فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بَلَغه ذلك» (رواه أبو داود).

يدل ذلك على أن ثواب قراءة القرآن يصل إلى الميت، تمامًا كما ينتفع الميت بالعتق والتصدق والحج عنه. فلا فرق بين فوائد هذه الأعمال وثمار قراءة القرآن بالنسبة للميت.

أكد المحققون من العلماء أن أي عبادة يقوم بها المسلم ويخصص ثوابها للميت، فإن ذلك ينفع الميت بإذن الله تعالى. وينبغي للمسلم عند قراءة القرآن أن يُخلص نيته لوجه الله تعالى، ويقرأ بخشوع وتدبر.

في لقاء مباشر على صفحة دار الإفتاء المصرية عبر فيسبوك، أوضح الشيخ محمد وسام، أمين الفتوى، أنه قد وردت أحاديث عديدة حول هذا الموضوع، منها حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «اقرَءُوا يس على مَوْتَاكُم» (رواه أحمد وغيره). ويشمل الحديث حالة الاحتضار وما بعده.

دعاء يقال عند هبة ثواب القرآن للميت:

يجوز للمسلم أن يخصص ثواب قراءة القرآن للمتوفي، سواء كان شخصًا واحدًا أو أكثر. وبعد الانتهاء من قراءة الآيات التي يود أن يهب ثوابها للمتوفين، ينبغي أن يقول الدعاء التالي: «اللهم إني أهب ثواب هذا القرآن إلى فلان وفلان وفلان»، ويذكر أسماء الأشخاص الذين يرغب في إهداء الثواب لهم.

هل يمكن هبة الإنسان ثواب قراءة القرآن لشخصين عن نفس القراءة؟

أوضح الدكتور محمود شلبي، مدير إدارة الفتاوى الهاتفية بدار الإفتاء، أن تخصيص ثواب قراءة القرآن لأكثر من متوفي جائز. ولتنفيذ ذلك، يمكن للإنسان أن يقرأ ما يرغب في إهدائه للأشخاص المعنيين، ثم يدعو قائلاً: «اللهم أعط مثل ثواب قراءتي لفلان وفلان، أو فلان وفلانة»، وهكذا.

وأضاف أن الله كريم وواسع الفضل، إذ يمكن أن يصل الثواب إلى الأم والأب، بالإضافة إلى الشخص القارئ نفسه.

Continue Reading

ديني

“أوقات دعاء مستجابة: كيف تدعو الله بأدب وثقة”

Published

on

"أوقات دعاء مستجابة: كيف تدعو الله بأدب وثقة"

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار علماء الأزهر الشريف، إنه من الواجب على الإنسان أن يتحلى بالأدب مع الله سبحانه وتعالى أثناء الدعاء. وأوضح أن من أبرز مظاهر الأدب مع الله هو الرضا بما قسمه الله والتسليم بما يجريه الله سبحانه وتعالى في الكون.

كيف أدعو الله ليستجيب لي:

أوضح الدكتور علي جمعة في إجابته على سؤال “كيف أدعو الله ليستجيب لي؟” أنه عندما يرغب الشخص في الدعاء والالتجاء، ينبغي أن يفعله كعبادة وليس من أجل التطلع إلى الدنيا. يجب على الشخص أن يسأل الله سبحانه وتعالى من خير الدنيا والآخرة، فهو مالك السماوات والأرض، والآخرة، ويوم الدين. يجب أن يكون الالتجاء إلى الله وحده، ولا ينبغي أن يكون المقصود من الدعاء إلا الله تعالى.

وأضاف أن الدعاء قد يُستجاب فورًا، أو يُؤجل فيُستجاب بعد فترة، أو يُخزَّن كعبادة وثواب في الآخرة. لذا، فإن الدعاء خيرٌ في جميع حالاته، سواء استُجيب أم لم يُستجب، لأن الإنسان لا يعرف أين يكمن الخير أو ما هو الأصلح له. الله سبحانه وتعالى هو من يعلم كل شيء، ولا إله إلا هو، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وتابع قائلاً: لذلك، عندما تدعو الله، يجب أن يكون دعاؤك عبادة، لا مجرد طلب للدنيا. ادعُ الله عبادةً، كما قال سيدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: “الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ”، وهذا حديث صحيح أخرجه الأربعة.

واستشهد بحديث آخر، رغم أنه أقل صحة لكنه لا يزال صحيحًا، يقول: “الدُّعَاءُ مُخُ الْعِبَادَةُ”. يوضح الفرق بين “الدعاء هو العبادة”، التي تعني أن الدعاء هو جوهر العبادة، وبين “الدعاء مخ العبادة”، التي تعني أن الدعاء هو أعلى مرتبة في العبادة. فـ “الدعاء هو العبادة” يشير إلى أن الصلاة، والزكاة، والحج، والصيام، كلها تُعتبر دعاءً في جوهرها.

وأشار إلى أن الدعاء هو جوهر العبادة، وهو حقيقة الصلة بينك وبين الله تعالى. لذا، يجب أن نفهم أن الأدب مع الله يستلزم أن يكون الدعاء عبادة خالصة، بمعنى ألا يكون قلبك متعلقًا بالمطلوب.

واستطرد قائلاً: ادعُ الله وكأنك تقول: “يا رب، افعل لي كذا وكذا بإرادتك وقوتك وحولك، متى شئت، وأين شئت، وكيف شئت. اللهم، إن لم يكن بك عليّ غضب، فلا أبالي”. انظر إلى كيفية تعليم سيد المرسلين لنا الأدب في الدعاء، فهو يُعلّمنا أن الدعاء هو أولاً وقبل كل شيء عبادة.

وأشار إلى أنه بعد أن تصرف قلبك عن المطلوب وتجعل المطلوب هو الله ذاته، وليس الغرض الدنيوي أو الأخروي الذي تدعو من أجله، يجب أن لا تيأس مع الإلحاح في الدعاء إذا تأخر الاستجابة. فالمدد يأتي من الله وحده.

وأوضح أن الله قد ضمن لك الاستجابة بما يختاره لك، وليس بما تختاره لنفسك، لأنك لا تعرف ما هو الأصلح. فهذا يعني التبرؤ من حولك وقوتك والانتقال إلى حول الله وقوته. يجب أن تكون واثقًا بالله، لأن ما في يد الله أعظم مما في يدك، وتدبيره أعظم من تدبيرك. ويجب أن لا يتسلل إلينا اليأس، لأن اليأس من صفات الكافرين.

أوقات يزيد فيها رجاء إجابة الدعاء:

  • ما بين الأذان والإقامة، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة.
  • في جوف الليل وآخره، خاصة في الثلث الأخير، توجد ساعة لا يُرد فيها الدعاء. وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: “ينزل ربنا إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى ينفجر الفجر”.
  • في السجود، يُرجى استجابة الدعاء. قال عليه الصلاة والسلام: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فكثروا الدعاء.” وأضاف ﷺ: “أما الركوع، فعظموا فيه الرب، وأما السجود، فاجتهدوا في الدعاء، فإنك حريّ أن يُستجاب لكم”. رواه مسلم في صحيحه.
  • عندما يجلس الإمام على المنبر يوم الجمعة للخطبة حتى تنتهي الصلاة، يكون ذلك وقتًا يُرجى فيه استجابة الدعاء.
  • في آخر كل صلاة، قبل السلام، يُستحب الدعاء، ويُرجى استجابة الدعاء في هذا الوقت. فقد علم النبي ﷺ الصحابة التشهد وقال: “ثم ليختر من الدعاء أعجبه إليه فيدعو”.
  • في آخر نهار الجمعة، من بعد صلاة العصر حتى غروب الشمس، يُعتبر وقتًا مباركًا للإجابة، خاصة لمن يجلس على طهارة وينتظر صلاة المغرب. لذا، يُستحب الإكثار من الدعاء خلال هذه الفترة، لأن المنتظر للصلاة يُعد في حكم المصلي. وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: “في يوم الجمعة ساعة لا يسأل الله فيها أحد شيئًا وهو قائم يصلي إلا أعطاه الله إياه”، وأشار إلى أنها ساعة قليلة. وقد فسّر العلماء حديثه بقولهم إن المراد بـ “لا يسأل الله فيها شيئًا وهو قائم يصلي” هو من ينتظر الصلاة، لأن المنتظر يُعتبر في حكم المصلي، حيث إن وقت العصر ليس وقت صلاة.
Continue Reading

ديني

“الإمام البخاري: قمة العلم ومعلم الحديث في ذكراه”

Published

on

"الإمام البخاري: قمة العلم ومعلم الحديث في ذكراه"

اليوم تحل ذكرى وفاة الإمام البخاري، عالم الحديث الشهير. في السطور التالية، سنلقي الضوء على سيرة الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، أحد أعظم علماء الحديث في التاريخ.

ذكرى وفاة الإمام البخاري:

في بيان صادر عن الإفتاء حول منزلة الإمام البخاري، وُصف بأنه من أعظم العلماء والعباقرة الذين أنجبتهم مدرسة أهل الحديث في الإسلام. الإمام الحافظ أبو عبدالله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري (ت: 256هـ) صاحب “الصحيح”، رحمه الله ورضي عنه، يُعتبر أمير المؤمنين في الحديث وأستاذ أهل الصنعة الحديثية وإمام الأئمة في هذا المجال.

لقد أبهر الإمام البخاري معاصريه ومن جاء بعدهم بحفظه الواسع وفهمه العميق وبصيرته الناقدة في علوم الحديث. فقد كان موصوفًا بالحفظ منذ صغره؛ فقد روى الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (2/24) عن سليم بن مجاهد أنه قال: “كنت عند محمد بن سلام البيكندي، فقال: لو جئتَ قبلُ لرأيتَ صبيًّا يحفظ سبعين ألف حديث”. وعندما ذهب سليم بن مجاهد للبحث عنه، التقى بالإمام البخاري الذي أكد له أنه يحفظ سبعين ألف حديث وأكثر، وأنه لا يروي حديثًا إلا وله أصل موثق في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد أجمع علماء المسلمين وأئمتهم ومحدثوهم عبر العصور على إمامة الإمام البخاري وتفوقه في علم الحديث من حيث الرواية والدراية. وقد نقل هذا الإجماع الإمام الحافظ أبو عبدالله الحاكم (ت: 405هـ)، كما ذكر الإمام النووي في “تهذيب الأسماء واللغات” (1/71) قائلاً: “هو إمام أهل الحديث بلا خلاف بين أئمة النقل”. كما أكد الإمام الحاكم نفسه على مكانته، وهو ما أضافه كل من الإمام أبو حازم العبدوي الحافظ والإمام أبو الحسن الفارسي، حيث قالا إنه العارف بالحديث حق معرفته، وقد نقله الذهبي في “تاريخ الإسلام” (28/127-128).

كما نقل الإمام النووي، شيخ الشافعية رحمه الله (ت: 676هـ) في كتابه “تهذيب الأسماء واللغات” (1/71)، أن الإمام البخاري رحمه الله كان موصوفًا بارتفاع المحل والتقدم في علم الحديث على أقرانه في جميع الأزمان. وأشار إلى أنه يكفي في بيان فضله أن معظم من أثنى عليه ونشر مناقبه كانوا من شيوخه الأعلام والحُذّاق المتقنين.

ومن جانبه، قدم الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة (ت: 311هـ)، إمام أهل الحديث في عصره كما قال الحاكم في “المستدرك” (1/593)، الإمام البخاري في علم الحديث على جميع علماء عصره. فقد صرح قائلاً: “ما رأيت تحت أديم هذه السماء أعلم بالحديث من محمد بن إسماعيل البخاري”، أو بلفظ آخر: “ما رأيت تحت أديم السماء أحفظ لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أعرف به من محمد بن إسماعيل البخاري”. وقد ذكر هذا الحاكم في “تاريخ نيسابور”، والخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (2/26)، وابن عساكر في “تاريخ دمشق” (5/65)، وشرف الدين بن المفضل المقدسي في “الأربعين على الطبقات” (ص: 294)، وأبو بكر بن نقطة الحنبلي في “التقييد” (ص: 32)، وغيرهم.

نقل الحافظ أبو الفضل بن طاهر المقدسي (ت: 507هـ) إجماع أهل الحديث في عصر الإمام البخاري على تقدمه عليهم. فقال بعد ذكره لكلام ابن خزيمة السابق: “يكفيك أن إمام الأئمة ابن خزيمة يمدح الإمام البخاري بهذه الطريقة، خاصةً مع لقائه الأئمة والمشايخ في الشرق والغرب. ولا عجب في ذلك، فقد اجتمع المشايخ قاطبة على تقدمه وقدموا عليه أنفسهم حتى في عنفوان شبابه، بينما ابن خزيمة إنما رآه في مرحلة متأخرة من حياته، وتفرده في هذا الشأن”. وقد نقل الإمام النووي هذا الكلام في “تهذيب الأسماء واللغات” (1/70).

هذه نبذة من أقوال أهل الحديث وأئمة المسلمين في تثبيت مكانة الإمام البخاري في علم الحديث وإقرارهم بإمامته وتقدمه. فالإمام أحمد بن حنبل، إمام أهل السنة وصابر المحنة، يعدُّ الإمام البخاري أحد أربعة من المحدّثين الذين بلغوا ذروة الحفظ. ويقول: “انتهى الحفظ إلى أربعة من أهل خراسان: أبو زرعة الرازي، ومحمد بن إسماعيل البخاري، وعبدالله بن عبدالرحمن السمرقندي، والحسن بن شجاع البلخي”. بل يفضله الإمام أحمد على الجميع قائلاً: “ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل”.

الإمام الحافظ أبو حاتم الرازي (ت: 277هـ) – الذي يُوصَف بأنه الإمام الحافظ الناقد وشيخ المحدثين، كما ذكره الذهبي في “سير أعلام النبلاء” (13/247) – يفضل الإمام البخاري على جميع علماء خراسان. فقد صرح قائلاً: “لم يخرج من خراسان أحفظ منه، ولا قدم العراق أعلم منه”.

الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن حجر السعدي (ت: 244هـ) – الذي يُوصف بالحافظ العلاَّمة والحجة كما ذكره الذهبي في “السِّيَر” (11/507) – يقول: “أخرجت خراسان ثلاثة: أبا زرعة الرازي من الري، ومحمد بن إسماعيل البخاري من بخارى، وعبدالله بن عبدالرحمن من سمرقند. ومحمد بن إسماعيل عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم”.

كما يقدّم الإمام البخاري على نفسه الإمام أبو الحسن علي بن المديني (ت: 234هـ) – أحد أئمة الحديث البارزين في عصره والمقدَّم على الحفاظ في وقته، كما وصفه الخطيب البغدادي في “تاريخ بغداد” (11/455) – حيث قال الإمام البخاري: “ما استصغرتُ نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني.” وعندما بلغه هذا القول، قال لمن أخبره: “دع قولَه؛ ما رأى مثل نفسه”.

قال الإمام البخاري: “قال لي علي بن المديني: الناس يقولون إنك تتعلم مني، ووالله إني لأتعلم منك أكثر مما تتعلم مني. فهل رأيتَ مثل نفسك يا أبا عبد الله؟!” وقد نقله الحافظ ابن رشيد الفهري في “السَّنَنِ الأَبْيَن” (ص: 88).

ينقاد لمعرفته في الحديث وعلله مشايخه وأئمة أهل الحديث في عصره، مثل شيخه الإمام الحافظ أبو زكريا يحيى بن معين (ت: 233هـ) – الذي يُعتبر إمام أهل الحديث ومزكي الرواة بلا مدافعة، كما ذكر الحاكم في “المستدرك” (1/313) – وأمامي خراسان، أبو زرعة (ت: 265هـ) وأبو حاتم (ت: 277هـ) الرازيين.

فقد روى أبو عمرو الكرماني أنه حكى لمهيار بالبصرة عن قتيبة بن سعيد قوله: “لقد رُحِلَ إليَّ من شرق الأرض وغربها، فما رَحَلَ إليَّ مثلُ محمد بن إسماعيل.” فقال مهيار: “صدق، فقد رأيته مع يحيى بن معين، وهما كلاهما يختلفان إلى محمد بن إسماعيل، ورأيت يحيى ينقاد له في المعرفة”. كما نهى شيخُه الإمام الحافظ الحجة مسدد بن مسرهد (ت: 228هـ) عن تقديم أي شخص على الإمام البخاري، قائلاً: “لا تختاروا على محمد بن إسماعيل، يا أهل خراسان”.

وصلت قوة معرفته وعلمه بالحديث إلى درجة وصفه بالمستقرئ التام من قِبَل المحدِّثين، حيث اعتبروا أن أي حديث لا يعرفه الإمام البخاري ليس بحديث. وهذا مقامٌ يصعب الوصول إليه في علم الحديث. فالحافظ عمرو بن علي الفلاس يقول: “حديث لا يعرفه محمد بن إسماعيل ليس بحديث”.

صرَّح علماء المسلمين وأئمتهم عبر العصور بأن الإمام البخاري قد بلغ قمة التميز في حفظ الحديث وفهم علله. وقد جمع بين معرفة الأسانيد والتفقه في المتون، مما يجعله علَمًا بارزًا من كبار علماء الحديث في الرواية والدراية. كان إمام زمانه، ولم يرَ فيه أحدٌ مثل نفسه. الذين شهدوا له بذلك هم أئمة المحدثين، وهم أهل الشأن وصنَّاع العلم وأرباب التخصص الذين يُعتمد عليهم في تقويم الرجال وتقدير مكانتهم في علوم الحديث وفنون الرواية.

شهد هؤلاء الأئمة بالإمامة والتفرد في علوم الحديث، وقدموا الإمام البخاري على أنفسهم في هذا المجال. وقد امتازت هذه الشهادات بتنوعها الكبير، مما يجعل التواطؤ على الخطأ أو الكذب مستحيلاً عادةً. فقد أثنى عليه شيوخه وأقرانه ومعاصروه وتلامذته، ثم من جاء بعده، مما يجعل هذه الشهادات قطعية ولا مجال للشك فيها.

Continue Reading

تابعنا

Advertisement

تابعونا

متميزة