سُئلت دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الرسمي عن حكم أداء الحج أو العمرة عن طريق المسابقات، حيث شارك السائل وبعض أصدقائه في مسابقة ثقافية نظمتها إحدى الجهات الخيرية، وأعلنوا أن الجائزة هي رحلة حج أو عمرة. فهل يجوز له حال فوزه بالمسابقة أن يؤدي الحج أو العمرة بهذه الطريقة؟
أوضحت دار الإفتاء المصرية أنه يُسمح بأداء الحج أو العمرة في حال الفوز بهما أو أحدهما في مسابقات مثل هذه، دون أي مشكلة، شريطة أن يتم ذلك بالطرق الشرعية ووفق الإجراءات التنظيمية المعمول بها في هذا الصدد.
اتَّفق فقهاء المذاهب الأربعة على أن الاستطاعة شرط لوجوب الحج؛ استدلالًا بقوله تعالى:
﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: 97].
الاستطاعة المشروطة لوجوب الحج تتضمن قوة البدن والقدرة على تحمل مشقة السفر لأداء المناسك، وضمان أمن الطريق، وتوفير نفقة الزاد والطعام والشراب والمبيت، وتكاليف المواصلات ذهاباً وإياباً بلا تقتير أو إسراف.
تشمل الاستطاعة، في إحدى معانيها، وجود المال الذي يمكّن الشخص من تحقيق أهدافه، ويمكن تحقيق هذه الاستطاعة من خلال الحصول على المال بشكل ذاتي أو من خلال عقود التمليكات مثل الإهداءات. من بين صور الإهداءات، يمكن الحصول على نفقة الحج عبر الفوز في المسابقات، خاصة مع تطور وسائل جذب العملاء للاستثمار، ومن ضمنها عمل المسابقات، حيث تكون الجوائز محفزة للمشاركة.
تعتبر المسابقات في جوهرها مشروعة؛ إذ تهدف إلى تحفيز العقل والجهد، وتُعتبر واحدة من الوسائل التي يمكن للإنسان من خلالها تحقيق وجمع المال، حتى لو كانت الجوائز بسيطة.
والدليل على مشروعيتها مِن حيث الأصل، قوله تعالى:
﴿قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ﴾ [يوسف: 17]، وقوله عزَّ وجلَّ: ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾ [المطففين: 26].
وما ورد عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر، قالت:
“فسابَقتُه فسَبَقتُه على رِجلي، فلما حَمَلْتُ اللَّحْمَ ساَبقتُه فسَبَقني، فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: هذه بتلك السَّبقَة”. أخرجه الإمام أحمد في “مسنده”، وأبو داود والنسائي في “سننهما”.
تتضمن المسابقات إما أن تكون بمقابل مالي، حيث يعطى للمتسابقين مكافأة، وإما أن تكون بلا مقابل مالي. في حال كانت المسابقة بمقابل مالي، يمكن أن يكون العوض من أحد المتسابقين أو من الجهة المنظمة، أما إذا كانت بلا مقابل مالي، فلا يكون هناك عوض مادي.
إذا كانت المسابقة بدون عوض مادي، أو بعوض مادي من غير المتسابقين، فإنها تعتبر مشروعة وجائزة. ويؤكد العلامة القسطلاني في كتابه “إرشاد الساري” على جواز المسابقة بدون عوض أو بعوض، شريطة أن يكون العوض من غير المتسابقين، مثل الإمام أو غيره من الرعية، ويعلن عن ذلك بمثل: ‘مَنْ سَبَق منكما فله من بيت المال كذا أو عليَّ كذا’، مما يعزز المشاركة في المسابقة والاستثمار في طاعة الله.
إذا كانت المسابقة على عوض من أحد المتسابقين أو بعوض من الاثنين، فإن جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة وبعض المالكية يرون جواز الصورتين، شريطة أن يدخل محلل بينهما، وهو طرف ثالث يشارك في المسابقة ويأخذ العوض إذا كان الفائز، ولا يحتاج لدفع أي مبلغ إذا كان مسبوقًا. يمكن الرجوع لكتب مثل “الدر المختار” للحصكفي، و “القوانين الفقهية” لابن جزي، و “روضة الطالبين” للنووي، و “الكافي” لابن قدامة.