"تعزيز المرونة النفسية: مفتاح النجاح والسعادة في الحياة والعمل"

نتمنى جميعًا أن نعيش حياة مليئة بالهدوء والسعادة، لذا نبحث عن طرق لنصبح أفضل نسخة من أنفسنا في أعمالنا، وعلاقاتنا، وفي الأشياء التي نحبها. من المهم أن نتذكر أن السر يكمن في داخلنا، وأننا بحاجة إلى التحلي بالمرونة النفسية التي تساعدنا على التغلب على تحديات الحياة.

كان هناك يومٌ صعبٌ لشخصٍ ما؛ إذ علق في الزحام المروري ووصل إلى العمل متأخرًا. وعند وصوله، كان المصعد معطلًا، مما زاد من تأخيره وتسبب له في إحراج مع مديره. بعد ذلك، تعطل جهاز الكمبيوتر الخاص به وفقد مستندًا مهمًا عمل عليه لعدة أسابيع. شعر بالإجهاد والتوتر، ولم يعرف كيف يتعامل مع كل هذه الصعوبات. بدا له أن يومه لا يسير كما ينبغي، فقرر مغادرة مقر العمل والعودة إلى المنزل. لم يكن يدرك أنه يحتاج فقط إلى التراجع خطوة إلى الوراء والتعامل مع الأمور ببعض المرونة النفسية. لكن كيف يمكنه ممارسة هذه المهارة؟ وهل يمكن اكتسابها؟

ما الذي نعرفه عن المرونة النفسية؟

وفقًا لجمعية علم النفس الأمريكية، تُعرَّف المرونة النفسية بأنها عملية التكيف الناجح مع التجارب الصعبة أو الصدمات النفسية. وهي قدرة الفرد على مواجهة الأحداث السلبية والضغوط والتكيف معها، مثل المشاكل الأسرية والعلاقات، والأمراض الخطيرة، والضغوط المالية وضغوط العمل.

الأشخاص الذين يمتلكون المرونة النفسية قادرون على تطوير استراتيجيات ومهارات للتكيف، مما يساعدهم في الحفاظ على هدوئهم وتركيزهم أثناء الأزمات، ويتيح لهم المضي قدمًا دون مواجهة عواقب سلبية طويلة الأمد، مثل الضيق والقلق.

تتعدد العوامل التي تسهم في مدى تكيف الأفراد مع الشدائد، من بينها: نظرتهم إلى العالم، واستراتيجياتهم المحددة للتكيف والتفاؤل، فضلاً عن قدرتهم على تنظيم مشاعرهم.

يعتبر الأشخاص الذين يتمتعون بالمرونة النفسية أن الأزمات مواقف تستحق المواجهة بكل الوسائل، بدلاً من الهروب منها. ولهذا، يتمتعون بصفات رائعة تجعلهم محبوبين من قبل من حولهم، ومن أبرز هذه الصفات: القدرة على اتخاذ القرارات في الوقت المناسب، والتعلم من الأخطاء ومواجهتها، والبساطة والمرح في التعامل مع الآخرين، بالإضافة إلى القدرة على التحمل وبناء العلاقات.

لماذا ينبغي علينا أن نتمتع بالمرونة النفسية؟

يعتبر التفاؤل أحد عوامل المرونة النفسية التي تساهم في تقليل آثار التوتر والإجهاد. فهو يمنح الأفراد القدرة على تحليل مشكلاتهم بشكل هادئ واستكشاف المسارات السلوكية الأكثر إنتاجية. تشير الأبحاث أيضًا إلى أن التفاؤل مرتبط بانخفاض مخاطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية والوفيات الناتجة عنها.

تقول الدكتورة «سيلدا كوديمير»، الأستاذة المساعدة بقسم علم النفس في جامعة بامبرغ الألمانية: «توفر لنا المرونة النفسية القدرة على تغيير وجهات نظرنا وأفعالنا عندما نشعر بعدم الراحة أو في مواجهة صعوبات». يمكن أن تساهم أيضًا في تقليل التوتر والقلق والاكتئاب، بالإضافة إلى اضطرابات ما بعد الصدمة وغيرها من مشكلات الصحة العقلية. كما أظهرت الدراسات أنها تساعد الأفراد في إدارة الألم المزمن.

أما الأفراد الذين يفتقرون إلى المرونة النفسية، فقد تتغلب عليهم التجارب السلبية، ويطيلون الحديث عنها، ويعتمدون على آليات تأقلم غير مفيدة للتعامل معها. قد تؤدي خيبة الأمل أو الفشل إلى سلوكيات غير صحية أو مدمرة. هؤلاء الأفراد يكونون أبطأ في التعافي من النكسات، وقد يعانون من ضيق نفسي أكبر.

لا يعني هذا بالطبع أن المرونة النفسية تقضي على التوتر أو تزيل صعوبات الحياة، أو تجعل حياتنا مثالية تمامًا. بل إننا ندرك أن الانتكاسات تحدث وأن الحياة قد تكون في بعض الأحيان صعبة ومؤلمة.

المرونة النفسية وعلاقتها بالرضا عن الحياة:

يُعتبر الرضا أحد علامات اتساق الفرد مع ذاته وتصالحه مع جوانب حياته المختلفة. وعندما يشعر الفرد بالرضا، يصبح أكثر إنتاجية واستقرارًا وسعادة. كما يُعد الرضا عاملًا أساسيًا لتقبل الإنسان للأحداث والمواقف الحياتية. وبالتالي، يدل انخفاض مستوى الرضا على عدم تمتع الفرد بالمرونة النفسية، مما يؤدي إلى التوتر عند مواجهة ضغوط الحياة. لذا، يمكن القول إن هناك ارتباطًا وثيقًا بين المرونة النفسية والرضا عن الحياة، حيث يحددان درجة تمتع الفرد بالعافية النفسية التي تؤثر على مسار حياته.

يُعتبر مستوى التفاؤل مؤشرًا مهمًا لقياس مدى رضانا عن حياتنا. فقد يتحول الأفراد الذين يعانون من كثرة الضغوط، ولكنهم يفتقرون إلى المرونة النفسية، إلى ذوي أفكار متشائمة، مما يؤدي إلى عدم رضاهم. بالمقابل، يساعد التفاؤل الفرد على تبني نظرة إيجابية تجاه الحياة والإقبال عليها، مما يمكنه من التغلب على الصعوبات والتعامل مع المواقف الضاغطة بفاعلية.

أجرت إحدى الدراسات بحثًا حول العلاقة بين المرونة والإجهاد والرضا عن الحياة لدى الطلاب، حيث تم اختيار عشوائيًا 110 طلاب من الناجحين والراسبين في إحدى الجامعات. بعد إجابتهم عن بعض الأسئلة وقياس مستوى المرونة والإجهاد والرضا عن الحياة لديهم، وُجد أن الطلاب الناجحين كانوا أقل عرضة للإجهاد وأكثر مرونة نفسية ورضا عن حياتهم مقارنة بالطلاب الراسبين. إذ أظهر الطلاب الذين يمتلكون مرونة نفسية وعيًا أكبر ومسؤولية وإيمانًا بقدرتهم على التحكم في بيئتهم، مما ساعدهم في إدراك قدرتهم على النجاح في الاختبارات وبالتالي الشعور بالرضا عن أنفسهم.

تطبيق المرونة النفسية لتحقيق النجاح في العمل:

يسبب الاحتراق النفسي خسائر كبيرة في بيئات العمل، حيث يرتبط بارتفاع معدلات التغيب وانخفاض الإنتاجية، بالإضافة إلى التأثير السلبي الذي يتركه على صحة الموظفين الجسدية والنفسية. بالمقابل، يتمتع الموظفون الذين يمتلكون المرونة النفسية بقدرة أكبر على التعامل مع التوتر، مما يجعلهم أقل عرضة للمعاناة من الإجهاد.

ترتبط المرونة النفسية بحالات إيجابية متنوعة، مثل الحماس والفضول والانفتاح على التجربة. هذه الحالات العاطفية لها تأثير كبير في بيئة العمل، حيث تمكّن الموظفين المرنين من بناء روابط وعلاقات قوية مع الآخرين من خلال التواصل الفعال. إذ يستمع الفرد بنشاط لزملائه ويستجيب لعواطفهم، ويفعل كل ما بوسعه لمساعدتهم على تحقيق النجاح في مكان العمل.

تشمل المرونة النفسية القدرة على تركيز انتباهنا على حل التحديات بطرق أكثر فاعلية. إذ يتعرض الموظفون غالبًا لتدفقات كبيرة من المعلومات والمهام، وبدلاً من الشعور بالارتباك أو التوتر بسبب ذلك، يمكننا أن نتعلم كيفية التبديل بين المهام أو تقسيمها. هذا يسهم في تحقيق التنظيم والكفاءة، مما يؤدي إلى تحسين الإنتاجية.

إذن، كيف يمكننا تعزيز المرونة النفسية في بيئة العمل؟ هناك بعض الممارسات التي يمكن أن تساعد الموظفين على تطوير مهاراتهم لتقليل تأثير الشدائد والضغوط في مكان العمل، ومن بينها: ممارسة اليقظة الذهنية، وتعزيز قدرة الدماغ على اتخاذ القرارات وحل المشكلات بسرعة.

كيفية بناء وتطوير المرونة النفسية:

نتفق جميعًا على أنه لا يمكننا منع أو إبعاد التوتر الذي يرافق تفاصيل وضغوط الحياة. لذا، لدينا خياران: إما أن ننهزم أمامه، أو نتعامل معه بمرونة وذكاء، ونسعى للتحكم فيه أو تقليل آثاره.

توجد العديد من الإستراتيجيات التي تساعدنا على تحمل المشاعر السلبية وتجاوزها. ومن خلال الممارسة المستمرة لهذه الإستراتيجيات، يمكننا بناء المرونة النفسية التي تُمكننا من التعامل بشكل أفضل مع تحديات الحياة. إليكم بعض هذه الإستراتيجيات:

  • مشاركة المخاوف والمشاعر المجهدة مع الآخرين: يساعد الحديث عن مشاعرنا مع الآخرين في تخفيف العبء. فمجرد معرفة أن الآخرين يهتمون أو أنهم قد مروا بتجارب مشابهة يمكن أن يكون مفيدًا في تحمل الأوقات الصعبة والتغلب عليها.
  • ممارسة الرياضة: تسهم الأنشطة البدنية في إفراز مجموعة من الناقلات العصبية في الدماغ، مثل الإندورفين والدوبامين والسيروتونين، مما يعمل على تحسين الحالة المزاجية وتعزيز المرونة النفسية والعصبية.
  • ملاحظة الأشياء الإيجابية في حياتنا: من المهم أن نكون واعين للأشياء التي تسير بشكل جيد أو التي تجلب لنا السعادة، خاصة في الأوقات الصعبة.
  • العمل المجتمعي ومساعدة الآخرين: تشغل هذه الأنشطة انتباهنا وتوجه طاقتنا بعيدًا عن التوتر والقلق. من خلال تقديم مساهمة إيجابية، يمكننا خلق إحساس بالتحكم والراحة.
  • تأمل اليقظة الذهنية: غالبًا ما تكون أكثر أفكارنا إيلامًا مرتبطة بالماضي أو المستقبل. عندما نتوقف ونجذب انتباهنا إلى الحاضر، قد نجد أن الأمور تسير على ما يرام. توفر لنا ممارسة اليقظة الذهنية تقنيات فعّالة للتعامل مع المشاعر السلبية عند ظهورها.
  • التعرف على نقاط قوتنا والتمتع بتقدير الذات العالي: سيساعد هذا في تعزيز قدرتنا على الصمود أمام الأحداث المجهدة، ويبني ثقتنا بأنفسنا، مما يحسن من طريقة تصرفنا.
  • خلق مواقف إيجابية واستخدام التحفيز في العمل: يُعتبر خلق بيئات عمل إيجابية واستخدام أساليب التحفيز وسيلة فعالة لمنح الموظفين إحساسًا بالسيطرة على بيئة عملهم.
  • التمتع بالذكاء العاطفي: يُساعد الذكاء العاطفي الموظف على التعرف على مشاعره السلبية والإيجابية، ويفهم تداعيات ردود أفعاله وسلوكه وتأثير أفعاله على الآخرين.
  • تحقيق التوازن الصحي بين العمل والحياة: يحتاج الموظفون إلى وقت للراحة والاسترخاء لشحن طاقتهم، حيث يمكن أن تُستنفد هذه الطاقة بسهولة إذا لم يكن هناك توازن بين العمل والحياة الشخصية.
  • الالتزام بالمهام المطلوبة: يسهم الالتزام بالمهام في خلق فهم شامل لكل تفاصيل الوظيفة، مما يجعلنا مستعدين لأي مستجدات ويمكّننا من التعامل معها بمرونة نفسية.

اقرأ ايضًا:

فهم وتطوير الذكاء العاطفي.

فهم التوتر النفسي.

إعادة ابتكار الذات: خطوات نحو تحقيق الأهداف.

لا تعليق

اترك رد