الحضارة الفرعونية في مواجهة وحشية الإسكندري الاكبر: صراع بين الحضارات

وفقًا للمؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه “تاريخ الحركة القومية في مصر القديمة: من بداية التاريخ إلى الفتح العربي”، وصل النزاع بين الفرس والإغريق، أو اليونانيين، إلى مرحلة حاسمة عندما تسلم الإسكندر العظيم الحكم في مملكة مقدونيا وهو في سن العشرين. في ذلك الوقت، كانت الإمبراطورية الفارسية قد امتدت بشكل واسع، شملت غرب آسيا من الهند إلى البحر المتوسط، وكانت لها قوة بحرية هائلة على السواحل البحرية وسيطرتها عليها. كانت سوريا وفلسطين جزءًا من إمبراطوريتها.

قرر الإسكندر الاكبر تحقيق الفوز على العدو الفارسي القوي، فقام بتجهيز جيش كبير وقاده عبر مضيق الدردنيل، المعروف أيضاً بـ “هلسبونت”. وفي معركة ملحمية على ضفاف نهر “جرانيق”، الذي يصب في بحر مرمرة، نجح الإسكندر في تحقيق انتصار هائل في عام 334 قبل الميلاد. بعد هذا الانتصار، شق طريقه عبر الساحل الغربي لآسيا الصغرى ووسط الأناضول.

وصل الإسكندر إلى مواجهة الفرس في معركة “إيسوس” في عام 333 قبل الميلاد، والتي وقعت على شاطئ خليج الإسكندرية الذي يعرف اليوم بخليج الإسكندرية. في هذه المعركة، حقق الإسكندر انتصارًا ساحقًا، حيث فر الملك داريوس الثالث هاربًا إلى “بابل”.

بعد معركة إيسوس، قرر الإسكندر عدم متابعة مطاردة الملك داريوس، بل قرر التوجه أولاً نحو البلاد الواقعة على سواحل البحر المتوسط. كان هدفه هو تحقيق السيطرة عليها وتخضيعها، وذلك لتعزيز سيطرته ومنع استخدام الأسطول الفارسي لها كقواعد تعوق تقدمه.

كانت هذه الخطة الدقيقة إشارة إلى رؤيته الاستراتيجية وحدة نظره البعيدة، وحسن تقديره للميدان الحربي. تقدم الإسكندر بجيشه نحو ثغور البحر المتوسط في فينيقيا وسوريا وفلسطين، حيث تمكن من استعمارها وإخضاعها لسيطرته. امتدت سيطرته إلى دمشق وبيت المقدس، وتم استيلاؤه على ثغور أخرى دون مقاومة، باستثناء “صور” التي قاومت بشدة. استمر الإسكندر في حصار صور وفتحها بالقوة، كما واجهت غزة مقاومة شديدة حتى اضطر إلى حصارها وتحقيق السيطرة عليها.

ثم وصل إلى مشارف مصر على رأس جيشه البالغ نحو أربعين ألف مقاتل، يعاونه أسطوله الذي كان يسير على مقربة من الشاطئ، ووبلغ بيلوز (الفرما)، وكانت وقتئذٍ أول حدود مصر.

في عام 332 قبل الميلاد، دخل الإسكندر مصر بعد أن ضعفت هزائم الفرس أمام تقدمه، وواجهوا صعوبة في التصدي له. وصل إلى مصر في خريف ذلك العام، دون مواجهات، حتى وصل إلى “منف”، العاصمة الحاكمة في تلك الفترة. لم يجد الوالي الفارسي الذي كان يدير شؤون مصر وسط هذه الظروف أي فرصة للمقاومة، حيث رأى أن مقاومة الإسكندر لن تكون ذات جدوى.

وقد ابتهج المصريون لهزيمة الفرس، ورأوا في الإسكندر بادئ الأمر منقذًا لهم من الاحتلال الفارسي، ولم يكونوا لينسوا أن الفرس قد انتزعوا عرش مصر من آخر ملوك الفراعنة وأقاموا حكمًا أجنبيًّا بغيضًا امتهَنَ كرامة بلادهم، مما حفزهم إلى الثورة عليه ثلاث مرات.

أشار المؤرخ عبد الرحمن الرافعي إلى أن الإسكندر أظهر احترامًا كبيرًا لديانة المصريين ولعاداتهم وتقاليدهم. ولم يقتصر ذلك، بل قام بتتويج نفسه بتتويج فرعوني في معبد “بتاح” بمدينة “منف”. اقتدى بطقوس الفراعنة القدامى عندما كانوا يتولون حكم مصر. وبما أن المصريين رمزوا بالكبش المقدس إلى الإله آمون، فقد أمر الإسكندر بتمثيل قرني “آمون” في صورته، مما جعل بعض مؤرخي العرب يطلقون عليه لقب الإسكندر ذي القرنين.

لا تعليق

اترك رد