التسامح: قيمة إنسانية نبيلة في الإسلام:
التسامح هو قيمة عظيمة تُعتبر من المبادئ الإنسانية الأساسية. وقد تجلى في الإسلام كواقع عملي يتجسد في سلوك المسلم اليومي. يتضمن التسامح نسيان الأذى الذي تعرض له الشخص، والتنازل عن حقوقه بدافع من قوة إيمانه ورغبته الصادقة في حياة طيبة وفي مقامه في الآخرة. إن هذا التنازل ينبع من صفاء القلب، والحب، والعطف، والرحمة، وليس استسلامًا أو ذلًا.
أنواع التسامح في الإسلام:
- التسامح الديني: يشمل التعايش بين الأديان وحرية ممارسة الشعائر الدينية بعيدًا عن التعصب.
- التسامح الفكري والثقافي: يتمثل في عدم التعصب للأفكار واحترام أدب الحوار.
- التسامح السياسي: يتطلب الالتزام بمبدأ الديمقراطية وضمان الحريات السياسية.
- التسامح العرقي: يعني قبول الآخر بغض النظر عن لون البشرة أو العرق.
فضائل وأثر التسامح والعفو في المجتمع الإسلامي:
يعود التسامح والعفو بفوائد عديدة على المسلمين والمجتمع الإسلامي، ويسهم في دفع الشرور عنهم. ومن أبرز الفضائل والآثار للتسامح والعفو:
- تقليل انتشار الشر: يسهم التسامح والعفو في تقليل الفساد والنزاعات بين أفراد المجتمع الإسلامي.
- تعزيز وحدة الأمة: يعمل التسامح على توحيد الأمة الإسلامية، مما يساعد على مواجهة أعداء الإسلام والمسلمين.
- نشر المحبة والمودة: يعزز التسامح من روح المحبة بين الأفراد ويقلل من مشاعر الحقد والكراهية.
- بركة المجتمع: يُعزز التسامح من بركة المجتمعات الإسلامية ويزيد من الخير فيها.
- بلوغ التقوى: يُعتبر العفو والمسامحة من صفات الإنسان التقي، مما يقود إلى زيادة التقوى.
- الفوز برضا الله: يتجلى رضا الله عز وجل في الالتزام بالعفو والتسامح.
- تخفيف الأعباء النفسية: يمنع التسامح والعفو الإنسان من تحمل الأعباء الزائدة الناتجة عن اللوم والعتاب.
- محبة الله والناس: يكسب المتسامح محبة الله سبحانه وتعالى ومحبة الآخرين.
- تحقيق الراحة النفسية: يُوفر التسامح والعفو راحة نفسية لمن يتحلى بهما ويطبقهما في حياته.
تُظهر هذه الفضائل أهمية التسامح والعفو في بناء مجتمع صحي ومتعاون، مما يسهم في تحقيق السلام والاستقرار.
ضوابط التسامح في الإسلام:
- من جهة العقيدة: يجب على المسلم عدم الانتقاص من دينه أو التشكيك فيه.
- في المعاملات المدنية: يُلزم أهل الذمة بالخضوع لقوانين التعاملات الإسلامية، مما يضمن العدالة والأمان للجميع.
- الأحكام الجنائية: تُطبق الشريعة الإسلامية على جميع الأفراد في دولة الإسلام، سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين، لضمان الأمن والاستقرار.
مبادئ التسامح الديني:
تستمد الأديان السماوية من مصدر واحد، والأنبياء إخوة لا تفاضل بينهم. العقيدة لا تُفرض بالإكراه، بل تحتاج إلى الاقتناع. الاختلاف في الأديان لا يمنع من البر والصلة، واختلاف الأديان لا يعوق الحوار الهادف لمعرفة الحقيقة.
قصص من تسامح النبي محمد:
حوت السيرة النبوية العديد من القصص التي تجسد تسامح النبي محمد صلى الله عليه وسلم. من بينها قصة النبي مع الرجل الذي أراد قتله خلال غزوة ذات الرقاع. عندما باغت الرجل النبي بسيفه، لم يجد في قلب النبي إلا التسامح، إذ قال له النبي: “الله يمنعني منك”. وقد ترك النبي السيف ولم يعاقب الرجل، مما يعكس روح التسامح والرحمة التي كان يتحلى بها.
الآيات الواردة في فضل التسامح:
قال الله تعالى: “وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ”.
تظهر هذه الآية فضل العفو والصفح كصفة من صفات المتقين، حيث يحث الله عباده على كظم الغيظ والعفو عن المسيئين. ذلك لنيل رضاه سبحانه وتعالى والفوز بمغفرته وجنته، مما يعكس أهمية التسامح في حياة المؤمن.
قال الله تعالى: “وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ”.
تشير هذه الآية إلى أهمية العفو عن الآخرين، حيث يجب على المسلم أن يعفو عمن أساء إليه. كما أن هذا العفو يُعتبر سببًا لنيل مغفرة الله وعفوه عن العبد، مما يعكس أهمية التسامح في العلاقات الإنسانية.
قال الله تعالى: “وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ”.
تبيّن هذه الآية أن من حق المسلم أن يرد الإساءة بمثلها، إلا أن العفو والإصلاح هما أفضل خيار. فالذي يعفو عن الإساءة ينال أجرًا عظيمًا من الله سبحانه وتعالى، مما يعكس قيمة التسامح وأثره في الحياة.
قال الله تعالى: “وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ”.
توضح هذه الآية أن الغفران هو من عزم الأمور، أي من الأمور العظيمة التي ينبغي على العاقل الالتزام بها. يعكس ذلك أهمية الصبر والعفو في حياة المؤمن، ويشجع على اعتبارهما من الواجبات السامية.
الأحاديث الواردة في فضل التسامح في الإسلام:
تعامل النبي مع الأعرابي الذي أساء له:
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “ما نَقَصَت صدقةٌ من مالٍ، وما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع عبدٌ إلا رفعه اللهُ”.
يفيد هذا الحديث أن العفو عن الظالم، حتى في حال القدرة على رد الظلم، يؤدي إلى زيادة العز والرفعة من الله عز وجل. وهذا يتناقض مع الاعتقاد الخاطئ بأن العفو يسبب المهانة، حيث يؤكد الحديث على أن العفو هو علامة على القوة والعزة.
فضل الحديث عن العفو:
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: “إنَّ خادمي يُسيءُ ويظلمُ، أفأضربُهُ؟” فقال النبي: “تعفو عنهُ كلَّ يومٍ سبعينَ مرَّةً”.
يُظهر هذا الحديث أهمية جعل العفو منهجًا في حياة المسلم، حيث يُحث على العفو عن الإساءة، حتى وإن تكررت مرات الإساءة إلى سبعين مرة. يُعزز ذلك قيمة التسامح ويعكس رحمة المسلم في تعامله مع الآخرين.
فضل الحديث عن صبر النبي:
عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: **”كُنْتُ أمْشِي مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ برِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، فَنَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
لا تعليق