لغة الجسد هي وسيلة تواصل غير لفظية يعتمد فيها الأشخاص على حركات أجسادهم وتعبيرات وجوههم وإيماءات أيديهم ونبرات أصواتهم لتوضيح أفكارهم ومشاعرهم. تُستخدم هذه الإشارات الجسدية لتعزيز فهم الرسائل التي يرغبون في إيصالها. وحتى أولئك الذين يحرصون على إخفاء مشاعرهم والتحكم في تعابير وجوههم يمكن كشف بعض انطباعاتهم الحقيقية من خلال مؤشرات جسدية دقيقة يصعب السيطرة عليها.
أشارت إحدى الدراسات إلى أن الكلمات تمثل نسبة ضئيلة من عملية التواصل، حوالي 7% فقط، بينما تشكل نبرة الصوت 38%، وتلعب لغة الجسد الدور الأبرز بنسبة 55%. وعندما تتعارض الكلمات مع الإشارات غير اللفظية، يميل الناس إلى تصديق لغة الجسد. ورغم أن الإنسان استخدم التواصل غير الشفهي منذ العصور القديمة، إلا أن دراسة هذا النوع من التواصل لم تبدأ بشكل جدي إلا في ستينيات القرن العشرين، وخاصة بعد صدور كتاب جوليوس فاست حول لغة الجسد عام 1970.
أظهرت الأبحاث الحديثة أن التواصل غير الشفهي يلعب دورًا حاسمًا في التفاعلات الاجتماعية، حيث إن تعبيرات الوجه، وحركات الجسد، وإيماءات اليد، وتغيرات نبرة الصوت، يمكن أن تنقل رسائل معقدة وعواطف خفية. وقد أثبتت الدراسات أن لغة الجسد تكون أكثر فعالية في إيصال الرسالة عندما تتعارض مع الكلمات المنطوقة، حيث يميل الأشخاص إلى تصديق ما يرونه بدلاً من ما يسمعونه. هذه القدرة على قراءة الإشارات غير الشفهية تلعب دورًا كبيرًا في العلاقات الشخصية والاجتماعية، وتُستخدم على نطاق واسع في مجالات مثل علم النفس والتسويق وحتى السياسة.
استخداماتها:
تعد لغة الجسد وسيلة تواصلية فعالة تُستخدم في العديد من المجالات. على سبيل المثال، يستعملها المعلم لتوصيل المعلومات إلى تلاميذه بشكل أكثر وضوحًا، ويستفيد منها الطبيب في تفاعله مع المرضى لفهم حالتهم، وكذلك يُعتمد عليها في بيئات العمل، حيث يستخدمها المديرون وأصحاب العمل في توجيه التعليمات لموظفيهم. ويستفيد منها بشكل خاص الأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة وذوو الإعاقات السمعية، حيث تكون لغة الجسد وسيلة أساسية للتواصل.
النساء، بشكل خاص، يُظهرن قدرة أعلى على فهم وفك رموز لغة الجسد مقارنةً بالرجال. فهن يمتلكن حدسًا طبيعيًا يجعلهن أكثر حساسية للإشارات غير الشفوية، بالإضافة إلى دقة ملاحظتهن للتفاصيل الدقيقة. هذه القدرة تساعدهن في التواصل بشكل أكثر فعالية، سواء في الحياة الشخصية أو المهنية. ولعل هذه الموهبة تعود إلى الدور الاجتماعي الذي يتطلب منهن التعامل بحساسية مع مشاعر الآخرين، وهو ما يُظهره أيضًا تواصل الأمهات مع أطفالهن باستخدام الإشارات غير اللفظية.
وسائلها:
تعتبر لغة الجسد وسيلة قوية لفهم مشاعر الآخرين ونواياهم، فهي تكشف أحيانًا أكثر مما تعبر عنه الكلمات. على سبيل المثال، إذا كان الشخص يحرص على تجنب النظر المباشر في عيون الآخرين، فقد يكون ذلك إشارة إلى الشعور بالخجل أو عدم الثقة بالنفس. أما رفع الحاجبين، فيمكن أن يكون تعبيرًا عن الدهشة، في حين أن رفع حاجب واحد فقط قد يعكس الشك أو عدم التصديق. حركات اليدين أيضًا لا تخلو من المعاني؛ فإذا لمس الشخص أنفه أو أذنيه أثناء الحديث، فغالبًا ما يكون مترددًا أو غير واثق مما يقوله.
تعبيرات الوجه تلعب دورًا كبيرًا كذلك؛ عبوس الجبين يشير عادة إلى الحيرة أو الانزعاج، بينما رفع الجبين يعبر عن المفاجأة. وفيما يتعلق بالأكتاف، فإن هز الكتفين غالبًا ما يكون علامة على عدم اليقين أو عدم الاكتراث. الأصابع التي تنقر باستمرار على الطاولة أو الكرسي قد تدل على القلق أو نفاد الصبر.
حتى القدمين يمكن أن تكون لهما دلالات؛ فالاتجاه الذي تشير إليه قدمي الشخص قد يعكس تفكيره أو رغبته في المغادرة. ولتحديد موقع الشخص في المكان أو وظيفته، فإن موقع مكتبه أو طريقة جلوسه قد يعكسان مدى سيطرته وثقته بنفسه.
أمثلة:
عندما يقوم الشخص بربط ذراعيه على صدره، فهذا يمكن أن يدل على رغبته في عزل نفسه عن الآخرين أو يعكس عدم ثقته بنفسه. إذا كان الشخص يفرك يديه ببعضهما، فهذه علامة على أنه ينتظر شيئًا ما. وعندما يضع يديه على خده، فإن ذلك يعبر عن التمعن والتفكير العميق.
إذا جلس الشخص وقدماه فوق بعضهما مع حركتهما المستمرة، فهذا يدل على شعوره بالملل وعدم الارتياح. وفي حال كنت تتحدث مع شخص ما ورغبت في إنهاء المحادثة، فإن التثاؤب يعتبر إشارة واضحة لذلك.
حك الرأس أثناء الحديث يعكس تفكير الشخص أو محاولته تذكر شيء معين. قبض الشخص على يده الأخرى خلف ظهره يشير إلى شعور بالعصبية أو الخوف من فقدان السيطرة. إخفاء الفم براحته يدل على اعتقاد الشخص بأنه يتعرض للأكاذيب.
إذا كان الشخص يجلس ضامًا قدميه وركبتيه، فهذا يعكس شعورًا بالتوتر والقلق. أما تجفيف العرق الوهمي أو التقاط النفس، فهو يعبر عن مشاعر الارتباك أو الانزعاج.
وعلى صعيد آخر، هز الأكتاف يعتبر دلالة على اللامبالاة، بينما الغمز بالعين يشير إلى التودد. نقر الأصابع يعكس الشعور بالملل، والضرب على الجبين يدل على النسيان، بينما القبض على الذراعين يعكس الحاجة إلى الحماية، ورفع الحاجب يُظهر عدم التصديق أو الشك في ما يُقال.
لا تعليق