قصص و روايات
«أبي الذي أكره» كتاب للدكتور المصري عماد رشاد عثمان
وهو كاتب وطبيب بشري، يناقش فيه دور الصدمات وإساءات النشأة في إعادة تشكيل شخصياتنا، وتأثيرها البالغ على علاقتنا مع أنفسنا ومع الآخرين. يتغلغل الكاتب في أغوار النفس البشرية، ويواجه القارئ بصراحة تامة، فتارة يبكيه وتارة يطبطب على الطفل في داخله. الكتاب ليس موجهًا لضحايا الهدر الأسري فقط، بل لمن لا يريد تكرار الأخطاء أيضًا.
الطفل في داخلك
«الإنسان يتغير لسببين، حينما يتعلم أكثر مما يريد، أو حينما يتأذى أكثر مما يستحق» – شكسبير.
يمهد الدكتور عماد للموضوع بأن الأسرة ببساطة هي بيئة احتضان تهدويَّة لقلق مقابلة الوجود، يدخلها الإنسان لتحميه في البدايات لحين اكتمال نمو أدواته الخاصة، التي يتمكن عبرها من مقابلة الوجود بشكل فعال وذاتي. إنها ضرورة تطورية للطفل البشري، وغياب تلك البيئة أو تصدعها لا يهدد بقاءه في طفولته فحسب، بل يعطل نمو أدواته للتعامل مع العالم من حوله.
ولهذا فإن إساءات النشأة تعمل على تجميد النمو في مراحله النفسية الأولى، وتحرم الطفل من تكوين ذاته لمواجهة العالم، فيخرج شاعرًا بالتهديد. ولذا فإن جزءًا أصيلًا من التعافي يكمن في الحصول على علاقة شافية، أو بيئة حاضنة بديلة لترميمه واستكمال نموه، لمواكبة الضغوط والتعامل مع قلق الوجود.
الشخص الأهم الذي تتوقع منه المحبة وتستمد منه تصورك عن العالم وعن نفسك، قبل أن يلقي إليك إساءة لفظية أو بدنية قد لفظك ورفضك، وهناك في البقعة العميقة التي قررنا أن نخبئ فيها الألم والصرخة يسكننا الغضب. لم يكن مسموحًا أن نعبر عنه خشية أن يجر علينا المزيد من الإساءة، لذا تعلمنا الكبت والمواراة، وهكذا فقد استمر الغضب في البروز على السطح لغير أسبابه الحقيقية.
كل منا ببساطة يحمل في داخله طفلًا غاضبًا، وبدلًا من تخفيف استيائه والتعاطف معه، تركناه يخرج في وضع الثورة ويتحكم فينا في نوبة هياج لا ينتج منها سوى الندم.
بالإضافة إلى ذلك، يذكر الكتاب أنه كلما كانت الصدمات مبكرة كان تأثيرها أكثر تجذرًا، وكلما كانت من الأقربين تأصلت في التكوين النفسي أكثر، فحين تسرق منا الإساءة الأمان الداخلي، يحل محله الخوف الدائم، وهنا تنمو بذرة القلق، فحتى بعد غياب الصدمة، يبقى أثرها الشعوري المبهم.
الصدمات وعمليات الدماغ
في كتاب What Happened to You، يوضح الطبيب النفسي الأمريكي بروس بيري فسيولوجية الدماغ عند التعرض لصدمة نفسية. فالدماغ مكون من عدة أجزاء ضرورية لتنظيم العمليات الحيوية: القشرة المخية والجهاز الحوفي (Cerebral Cortex and Limbic System) ، وهما مسؤولين عن العمليات المعقدة مثل التفكير والتخطيط والتحدث والوعي بالزمن، وكل اعتقاداتنا وقيمنا تُحفظ هناك.
أما الجزء السفلي فيتضمن جذع الدماغ (Brainstem)، وهو مسؤول عن العمليات الأقل تعقيدًا مثل تنظيم حرارة الجسم ومعدل التنفس ونبضات القلب. المُدخلات الحسية كالسمع والبصر تعالَج أولًا عبر الأجزاء السفلية من أدمغتنا، بينما يكتمل نمو الجزء العلوي بعد الولادة بعدة سنوات، لهذا فإن الرضيع يرى ويسمع لكنه لا يفكر أو يخطط كالكبار، إذ لم ينمُ هذا الجزء من دماغه تمامًا.
عقولنا مبرمجة على الشعور والتصرف قبل التفكير، وهذا ببساطة يفسر ما يحدث للمرء من أعراض بعد التعرض لصدمة، فعندما يتعرض الشخص لأي محفز من المحفزات التي كانت سببًا في صدمته الأولى كصوت انفجار أو صرخة أو رائحة مميزة أو لون ما، فإن هذه المدخلات تعالَج مباشرة في الجزء الأسفل من الدماغ، وما هي إلا لحظات قبل تفعيل نظام الاستجابة للضغط وتعطيل بقية أجزاء الدماغ.
وبما أن جذع الدماغ لا يستطيع تحديد الزمن، فإن الشخص يسترجع تفاصيل تلك الذكرى بل ويعيشها بحذافيرها، حتى تصل المدخلات أخيرًا للقشرة المخية ويبدأ الشخص، وبعد جهد جهيد، في استيعاب أن هذا الحدث قد أصبح من الماضي.
لا عجب أن تتغير نظرة الطفل تمامًا إلى الحياة والأشخاص من حوله، وأن تضطرب علاقاته، فالصدمات كما تعيد تشكيل شخصيته تعيد تشكيل دماغه تمامًا.
ما يجب علينا فهمه أن الصدمات ليست مقتصرة على حوادث الفقد والحرب، فقد تنشأ نتاج مواقف أقل صخبًا كالإهانة أو الإساءات اللفظية أو علاقات الوالدين المضطربة أو الاحتراق الوظيفي، وهذا ما يؤكده بروس قائلًا: «حتى عند غياب أحداث صادمة كبرى، فإن الضغوطات غير المتوقعة أو الممتدة لفترات طويلة كافية لجعل أنظمة الاستجابة للضغط لدينا بالغة الحساسية والنشاط ومفرطة في رد الفعل، مما يؤدي إلى خلق عاصفة داخلية».
«الخلل فيَّ أنا»: الأطفال كأكياس رمل للتنفيس
ربما لم يفهم أحد أن بعض التوجهات الناقمة على العالم والساخطة على السماء والرافضة لفكرة الغائية والحكمة التي ترتكز عليها الأديان لم تكن سوى نتاجًا لتجارب أفقدت الأمان، ولكن هذا الغضب في حقيقته ليس سوى عرَضًا من أعراض وجع دفين.
تخلط نفوسنا الناشئة بين الله والسلطة الأبوية، فمثلًا قد يؤدي الخلط بين نموذج الأب الناقد وبين الله إلى نشوء ضمير جلاد وصوت خفي دائم الصفع. ولذا فإن كثيرًا من المتعثرين في علاقتهم بالله قد يكون تعثرهم بسبب مشكلات في ارتباطهم بالوالدين، حدث جراءها تحويل انفعالي لغضبهم من السلطة الأبوية إلى الله والدين.
ربما يكون أحد أكثر أنواع الإيذاء نعومة وخفاء، والذي قد لا يحدث بقصد الإساءة، هو إفراغ الأبوين لما يختلج في صدريهما من خيبة وألم تجاه بعضهما ورواية تفاصيل معاناتهما على أسماع الأطفال، خلطًا منهما بين الصداقة والاستغلال.
يتحول الأطفال إلى أكياس رمل للتنفيس، يفرغ فيهم الوالدان كل شحناتهما السلبية، فينشأ الطفل مشحونًا بمشاعر مستوردة، وتحتشد في نفسه أحاسيس دخيلة، ويمتلئ بانفعالات لا ينتمي لها، فيؤدي ذلك إلى الغضب وانعدام الأمان والقلق وغياب الثقة.
يؤكد الدكتور عماد في كتابه أن النشأة تحت سطوة أبوية لا تجعل الأبناء يكبرون ليكرهوا آباءهم، وإنما يكبرون وهم يكرهون أنفسهم.
يكبر كل من تعرض للإساءة من قبل والديه وهو يشعر بأنه غير مستحق للحب وأن أحدًا لا يمكن أن يقبله كما هو، فيفكر لا واعيًا: «الخلل فيَّ أنا»، كجزء من محاولة المحافظة على صورة الأبوين المثالية، إذ لا يمكن أن نراهما على خطأ، لذا فنحن الخطأ.
وهكذا نفهم لماذا لا يستطيع الذين يعيشون وسط أسر معطوبة تملؤها الصراعات أن يحبوا أنفسهم، فقد حدث تشوه في بنية التواصل الوجداني.
يعاني بعضنا من التسلط الأبوي، في محاولة مستميتة باسم التربية والمصلحة لإنتاج طفل بمواصفات قياسية يتحول إلى بالغ منتج بفعالية. يبدأ الطفل رحلة تدريبية مكثفة من «افعل ولا تفعل» و«لازم يتأدب ويعرف إن الله حق»، يستخدم خلالها الآباء الدين والتقاليد مبررًا لما يمارسونه من سلطة على الأبناء.
يتربى الأبناء على القمع والترهيب والنهر في عالم يطالبهم بالمثالية، ويُعاملون كمشروع تفوق يحقق الآباء طموحاتهم من خلاله، أو تُنشأ الفتاة مثلًا على عقيدة العورة حتى تصلها رسالة ضمنية غير ملفوظة تتمثل في أن وجودها بذاته عورة ينبغي إخفاؤها. تصل للطفل رسالة أنه غير مستحق للحب ما لم يصِر شيئًا يطلبه منه أبواه أو المجتمع، وهنا يتخلى الإنسان عن حقيقته ويسعى لصنع ذات مفبركة تتوافق مع مقاييسهم.
مراحل التجاوز
«إن أقصى وأرقى نشاط يمكن للإنسان أن يفعله هو الفهم، فأن تفهم يعني أن تصبح حرًا» – سبينوزا.
تخزن أذهاننا كل الذكريات المؤلمة، وتكرر استحضارها لتحمينا من تكرار الوقوع فيها. وبقدر الألم المرافق لأي حادث، يكون مقدار الإلحاح الدماغي في التذكير به. البوح هو تحرير المشاعر العالقة، وكأننا نخبر عقلنا بأننا نتذكر: «اطمئن، فلا حاجة لمزيد من التذكير». قد يكون البوح عن طريق التحدث إلى شخص نثق به أو معالج نفسي، أو حتى بالكتابة أو الرسم وغيره.
ثم إن الطريق المؤدي لتجاوز أي شيء يكون من خلاله، فتجاهل الأمر أو إنكاره أو التلهّي عنه مجرد محاولات تسكين مؤقتة للألم. التعافي يحتم المجازفة بالخروج من منطقة الراحة الزائفة، فلا بد أن تعبر بالآخرين، بالالتحام بهم والانغماس في التفاعل معهم، لأن الحياة ستستمر في السير، والتعافي لن يكتمل سوى عبر مجازفة القفز نحوها.
ولكي يتم التعافي بصورة مكتملة وسليمة، علينا أولًا أن نفهم مساره وأن نعطي أنفسنا الوقت الكافي للمرور على مراحله الواحدة تلو الأخرى حتى نصل إلى الشفاء التام.
- المرحلة الأولى: الإنكار
يتجلى الإنكار في تجاهل الألم أو ادعاء تجاوزه، بتكوين صورة مثالية زائفة، أو محاولة تبرير المأساة كقول إنها كانت ضرورة تربوية أو أن المرء هو من تسبب بها لنفسه، ما يجعل المحيطين بنا غير قادرين على فهم استغاثاتنا، لأنهم لم يعتادوا طلبنا للمساعدة أو اعترافنا بالضعف.
- المرحلة الثانية: الغضب
تلك الحالة التي تعتري الناجين من الغضب وعدم القدرة على الغفران وتكرر ذكريات الإساءة وتحميل الآخرين مسؤولية الشتات والتمزق الداخلي هي حالة طبيعية للغاية، لا حاجة للامتلاء بالذنب، لا بأس أن تتوقف قليلًا لتغضب أو تبكي على خيبتك وخساراتك، فالغضب ضرورة للتحرر.
- المرحلة الثالثة: استعادة الذات
في هذه المرحلة نبدأ بالتركيز على الحل لا المشكلة، ونتحمل مسؤولية التعافي ولا نكتفي بالشكوى، وأهم ما ينبغي فعله الآن هو منع التعرض للمزيد من الأذى ووضع الحدود. لا تحاول الإسراع، فعملية التعافي تحتاج منا لبعض الوقت.
- المرحلة الرابعة: التجاوز
عندما نتوقف عن الشعور بأننا عالقين في الماضي، نبدأ في التصالح مع ما حدث، فقد حان وقت المضي قدمًا. كما أن فهم المؤذي يساعدنا في التعافي، فأقسى الأفعال أحيانًا تحدث بدوافع طيبة ونوايا حسنة، وهذا لا يبررها، لكن التشوه في الحقيقة كان في الفعل والاعتقاد وليس الشعور.
وأخيرًا وليس آخرًا، علاقتنا بذواتنا هي مرتكز كل اضطرابات علاقاتنا بالآخرين، والحب السليم للنفس لا يتعلق بالدرجة بل بالنوع، فهو ليس شيئًا كميًا يقبل التفاضل، ولذا فإن العلاج النفسي في حقيقته هو نوع من المصالحة مع الذات ومحاولة فهمها والتعاطف معها وقبولها. وفي النهاية، يبدو أنه ليكتمل الشفاء لا بد أن تلتفت إلى الشخص الوحيد الذي عشت طوال حياتك في محاولة للهرب والتخلص منه: أنت.
قصص و روايات
“قواعد العشق الأربعون: تأثير التصوف على حياة إيلا روبينستين وجلال الدين الرومي”
من هى إيليف شافاك؟
الكاتبة والناشطة التركية المثيرة للجدل، إيليف شافاك، وُلدت في بيلغين عام 1971، وبدأت حياتها المهنية كدبلوماسية قبل أن تصبح كاتبة مشهورة. قضت طفولتها ومراهقتها بين مدريد وعمان، ثم عادت إلى تركيا لاحقاً. نشرت شافاك 15 كتاباً، من بينها 10 روايات. حصلت روايتها الأولى، “الصوفي للرومي”، على جائزة أفضل كتاب في عام 1998. في بداية مسيرتها الأدبية، اهتمت بالتصوف، وهو ما ترك بصمته على أسلوب رواياتها.
تلخيص الكتاب:
إيلا روبينستين، التي تبلغ من العمر أربعين عاماً، هي ربة منزل عادية وأم لثلاثة أطفال، وتعاني من عدم السعادة في حياتها الزوجية بسبب خيانة زوجها. تغيرت حياتها بشكل كبير عندما تولت وظيفة قارئة وناقدة في إحدى الوكالات الأدبية. كانت مهمتها الأدبية الأولى قراءة رواية بعنوان “الكفر العذب”، التي تتناول حياة الفقيه الشاعر الفارسي جلال الدين الرومي ومعلمه الصوفي شمس الدين التبريزي. كاتب الرواية، الذي يعيش في تركيا، هو عزيز ظهارة، الذي يعتبر غير معروف أدبياً.
سرعان ما وجدت إيلا نفسها مفتونة بالرواية وبالكاتب الذي ألفها، فبدأت تنشأ بينهما مراسلات إلكترونية ذات طابع غزلي. خلال قراءتها للرواية، بدأت تتساءل عن حياتها الرتيبة التي تفتقر إلى العاطفة والحب الحقيقي. في قلب الرواية، يجد شمس الدين التبريزي، الصوفي المتجول، الذي تحدى الحكمة التقليدية والأحكام المسبقة الاجتماعية والدينية، نفسه في رحلة بحث عن الرفيق الروحي الذي سيساعده في مهمته. تهدف مهمته إلى تحويل تلميذه جلال الدين الرومي، الواعظ المحبوب، إلى أعظم شعراء العالم، ليصبح صوت الحب.
جلال الدين الرومي هو طالب مجتهد يحظى بإعجاب واحترام كبيرين في مجتمعه، لكن عائلته والمجتمع يشعرون بالاستياء من شمس الدين التبريزي، الذي أزعج أسلوب حياتهم المستقر. مهمة شمس هي أن يُبعد الرومي عن وسائل الراحة التي يوفرها له أسلوب حياته المحترم، ويحثه على الخروج من منطقة راحته.
يُجبر كل من جلال الدين الرومي وإيلا روبينستين، من خلال علاقتهما بشمس وعزيز على التوالي، على طرح تساؤلات عميقة والابتعاد عن الأمان والسلامة في حياتهما. يتعين عليهما مواجهة عدم اليقين والنشوة وانكسار القلب. لا يمكن لشمس أو عزيز أن يقدما وعداً بالسعادة الدائمة؛ فكل ما يمكنهما تقديمه هو تجربة الاتحاد الصوفي والحب الإلهي والانسجام العميق، الذي يمكن تحقيقه فقط عندما يتخلص الفرد من النفس الزائفة التي تشكلها ضغوط المجتمع، ويصل إلى الذات الحقيقية.
طوال رحلة جلال الدين الرومي مع شمس الدين التبريزي، قام التبريزي بتعليمه “قواعد العشق الأربعين”، وهي حكمة صوفية تجسدها وتدعو إليها. تحدى التبريزي الأعراف التقليدية مراراً وتكراراً، وعرض نفسه للخطر، حيث دعا إلى روحانية عالمية تُفتح أبوابها لجميع البشر مهما اختلفت دياناتهم ومعتقداتهم وأجناسهم. بدلاً من الدعوة إلى الجهاد المعروف كحرب ضد الكفار، دعا التبريزي إلى الجهاد الداخلي ضد الأنا والنفس. أثارت أفكاره سخطاً كبيراً، وأصبحت الرابطة الروحية القوية بينه وبين الرومي هدفاً للشائعات والافتراءات والهجمات، حتى من أقرب المقربين إليهم. وبعد ثلاث سنوات من لقائهما، انفصلا بشكل مأساوي، انتهى بقتل التبريزي. رغم ذلك، نجح التبريزي في إلهام الرومي ليصبح واحداً من أعظم شعراء العالم حكمة وعمقاً. بالمثل، ألهمت قصة التبريزي والرومي عزيز، مما دفعه إلى كتابة الرواية التي ألهمت إيلا روبينستين للخروج من زواجها الذي أصبح خانقاً عاطفياً وروحياً.
قصص و روايات
“حب لا يعرف الحدود: كيف أنقذت ابنة والدها من الموت جوعًا”
ابنة ترضع والدها جوعًا: القصة التي هزت روما
في أزمنة روما القديمة، كان هناك مشهد يروي قصة مثيرة مليئة بالحب والتضحية. سُجن رجل مسنّ محكوم عليه بالموت جوعًا، وكان محاطًا بأشد أنواع الرقابة. لم يكن مسموحًا لأحد بزيارته سوى ابنته، التي كانت تخضع لتفتيش دقيق لضمان عدم إدخال أي طعام إلى والدها.
كل يوم، كانت هذه الابنة تشهد والدها يتلاشى تدريجياً أمام عينيها بسبب الجوع، بينما كانت تقف عاجزة عن تقديم أي مساعدة. لكن هذه الابنة لم تستطع تحمل رؤية والدها يموت ببطء، فقررت أن تفعل ما لا يمكن تصوره.
في عمل مدهش، جريء، وغير عادي، قررت الابنة أن ترضع والدها من حليب ثدييها، مستخدمة رضيعها كوسيلة للتغلب على تفتيش الحراس. كانت تمر الأيام وهي تقوم بهذه التضحية الكبيرة، حتى رآها أحد حراس السجن وهي ترضع والدها.
كانت هذه اللحظة صادمة للحراس ولمنفذي الحكم، إذ رأوا أمامهم مثالاً نادراً من التفاني والتضحية. تكريماً لهذه البادرة الخارقة للعادة، تم إطلاق سراح الوالد، وتقديراً لحبها وإخلاصها العميق، أصبحت القصة محط أنظار العالم.
اللوحة التي تصوّر هذه القصة، التي رسمها جاسبار دي كراير حوالي عام 1645، تعد واحدة من أغلى اللوحات في أوروبا. إنها تعرض قوة العلاقة والرعاية بين الابنة ووالدها، وتبرز جوهر المرأة التي تلعب أدوارًا متعددة في حياة الإنسان، سواء كأم، أخت، زوجة، أو صديقة.
ديني
“معجزات وحكمة: قصة سليمان عليه السلام وما وراءها”
سليمان – عليه السلام – كان من بين الذين منحهم الله الملك والحكمة في سن مبكر. فبعد وفاة داوود – عليه السلام – وعندما كان سليمان يبلغ اثنتا عشرة سنة، أسند الله إليه ما لم يُعطَ أحدٌ غيره من البشر. وبعد أربع سنوات من هذه النعمة، بدأ سليمان في بناء بيت المقدس.
استجاب سليمان – عليه السلام – لوصايا والده، واستمرّ في البناء سبع سنين، حيث انتهى من البناء بعد توليه الحكم بأحد عشر عاماً، ثم بعد ذلك باشر أعماله في بناء دار مملكة بالقدس، واستمرّ في البناء ثلاثة عشر عاماً.
الله – عز وجل – أنعم على سليمان – عليه السلام – بالحكمة، والفطنة، والذكاء، والقدرة على البديهة، ودعمه بالحكم الصحيح والعدل في قضايا الناس. عندما نشبت مشكلة بين الراعي وصاحب الحقل بسبب غنم الراعي التي دخلت الحقل، أصدر سليمان – عليه السلام – حكمًا مشابهًا لحكم والده داوود، فكان حكمه دائمًا يتسم بالعدل والحكمة، قال تعالى-: {وَداوودَ وَسُلَيمانَ إِذ يَحكُمانِ فِي الحَرثِ إِذ نَفَشَت فيهِ غَنَمُ القَومِ وَكُنّا لِحُكمِهِم شاهِدينَ*فَفَهَّمناها سُلَيمانَ وَكُلًّا آتَينا حُكمًا وَعِلمًا وَسَخَّرنا مَعَ داوودَ الجِبالَ يُسَبِّحنَ وَالطَّيرَ وَكُنّا فاعِلينَ}. [الأنبياء: 79:78].
تحكي القصة عن رجلين جاؤوا إلى داوود – عليه السلام – أحدهما كان صاحب حقل والآخر صاحب غنم. زعم صاحب الحقل أن اغنام صاحب الغنم دخلت أرضه وأفسدتها. فقضى داوود – عليه السلام – بأن يأخذ صاحب الحقل الغنم. لكن عندما علم سليمان – عليه السلام – بالقضية، وهو آنذاك في سن الحادية عشر، قال: “لو كنت أنا الذي أقضي لفعلت شيئًا مختلفًا”. فقضى سليمان بأن يأخذ صاحب الحقل الغنم لاستفادته منها ويصلح أرضه بالغنم، ثم يعيدها إلى صاحبها. وقضى داوود بحكم سليمان؛ لأنه لم يظلم أحدًا من الطرفين في النزاع.
تولية سليمان الملك:
بعد وفاة داوود – عليه السلام – تولى سليمان – عليه السلام – حكم بني إسرائيل. وقتها كان عمره ثلاثة عشر عامًا. وأعطاه الله الملك والنبوة معًا، وكانت دعاءه إلى لله أن يمنحه ملكًا لا يحصل لأحد غيره بعده. أجاب الله دعائه وأخضع له البشر والجن والطيور والشياطين والرياح. كانت الطيور تتجه نحوه عندما يغادر بيته للذهاب إلى مجلسه، وكان البشر والجن ينتظرون لتقديم الخدمة له.
سليمان – عليه السلام – ورث علم وملكًا من داوود – عليه السلام -. كما ذكر الله في القرآن: {وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ}. [النمل: 16]. هذا الورثة كان خاصًا لسليمان دون إخوته الآخرين، كان يقول قتادة والكلبي إن داوود أنجب تسعة عشر ولدًا. وتحديد سليمان بالورثة دليل على أن الوراثة ليست فقط من المال، بل كان الله قد أنعم عليه بمزيد عن ميراث والده.
سيدنا سليمان مع الهدهد وبلقيس:
سليمان – عليه السلام – نعّمه الله بفهم لغة الطيور، وكان يستخدمها في البحث عن الماء وجمع أخبار الأمم والشعوب. كان الهدهد من الطيور التي كان يعتمد عليها، لكن في يوما ما فُقد الهدهد ولم يعود، دون أن يطلب إذنًا للانصراف، مما جعل سليمان – عليه السلام – يتوعده بالعقاب أو القتل إذا لم يكن لديه عذر لغيابه.
بعد غياب الهدهد لمدة، عاد إلى سليمان الذي سأله عن سبب غيابه. أخبره الهدهد بأنه رأى أهل سبأ وملكتهم بلقيس يسجدون للشمس ويعبدونها، معتقدين أن هذا الفعل صحيح. عندما سمع سليمان ذلك، أراد التأكد من صحة الخبر، وأراد التراجع عن قرار عقاب الهدهد. فكتب كتابًا يأمر بعبادة الله وحده، وأعطاه للهدهد مع تكليفه بإلقائه عليهم ومراقبة رد فعلهم.
بعدما ألقى الهدهد الكتاب في نافذة قصر بلقيس التي كانت مفتوحة لتدخل منها الشمس لتعبدها، لاحظت الملكة الأمر وجمعت أهل البلاد لتستشيرهم فيما يجب فعله. قالوا أهل البلاد بأنهم قوم ذوي قوة وبأس شديد، ووكلوا الأمر إليها. اقترحت الملكة إرسال هدية لسليمان لتلطيف الأمور وتجنب الحرب. لكن عندما وصلت الهدية إلى سليمان، هددها بإرسال جيوشه إليها. فقررت الملكة أن تستجيب لأمر سليمان وتذعن له، وقررت الذهاب إليه.
عندما علم سليمان – عليه السلام – بقرب وصول الملكة، جمع حاشيته وطلب منهم أن يحضروا عرشها إليه. أخبره عفريت من الجن بأنه قادر على جلب العرش قبل أن تقوم من مقامها، واقترح عالم من علماء قومه أن يأتي به قبل أن يرتد طرفه. فشكر سليمان ربه وأحضر العرش، وأمر الحاشية بتغيير شكله قليلاً. عندما وصلت الملكة ورأت العرش، اندهشت وقالت “كَأَنَّهُ هُوَ”، واستغربت من روعة قصر سليمان الذي اعتقدت أن الأرض نهراً. عندما حاولت دخول القصر، كشفت عن ساقيها. وبعد رؤيتها لهذه المعجزات، أعلنت خضوعها لله وحده، قال الله تعالى في القرآن-: {قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. [النمل: 44].
سيدنا سليمان مع النملة:
قال تعالى-: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}. [النمل: 18]. رأت النملة سليمان وجنوده وخافت على بقية النمل من أن تدهسها الجنود. فصاحت بأعلى صوتها، ناصحة النمل بأن يستدعي جنودهم إلى داخل البيوت لتفادي الخطر. سمع سليمان كلام النملة، وابتسم بفرح لحكمتها وذكاءها، حيث أشارت النملة إلى أنه لا يمكن لسليمان وجنوده أن يشعروا بوجودهم ويتجنبوا دهسهم. شكر سليمان الله على النعم التي وهبها له ولوالديه. قال تعالى-: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}. [سورة النمل: 19].
وفاة سيدنا سليمان:
في قضاء الله – تعالى – بموت سليمان – عليه السلام – كان واقفاً متكئاً على عصاه. وذكر الله في القرآن: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ}. [سبأ: 14]. يعني ذلك أنه مات وهو يتكئ على العصا، ثم أكلت دودة الأرض عصاه فسقط على الأرض، فعلم الناس بموته.
موت سليمان – عليه السلام – بهذه الطريقة كان بعد مرور سنة من وقوفه، وذلك الموت كان إظهارًا لكذب الجن الذين كانوا يدعون علمهم بالغيب. فلم يعلم الجن بموت سليمان إلا بعد سقوطه على الأرض. وفي هذه الفترة، كان الجن مشغولين ببناء بيت المقدس.
معجزات سيدنا سليمان:
معجزات سليمان – عليه السلام – كانت تتميز بدوامها ومرافقتها له طوال حياته. شكر الله – تعالى – على هذه المعجزات التي أنعم عليه بها، ومن بين هذه المعجزات:
تسخير الرّيح: {وَلِسُلَيمانَ الرّيحَ عاصِفَةً تَجري بِأَمرِهِ إِلَى الأَرضِ الَّتي بارَكنا فيها وَكُنّا بِكُلِّ شَيءٍ عالِمينَ}. [سورة الأنبياء: 81]. سيطر سليمان – عليه السلام – على الرياح، حيث كانت تسير بأمره وتتجه حيثما يأمرها. وكذلك، كان يمكنه تحريك السحاب وجعله يمطر بحسب أمره. وظلت الرياح تحت سيطرته طوال حياته.
تسخير الجنّ: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ۖ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ ۖ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ}. [سبأ: 12]. كانت الجن تعمل تحت إرشاد وتوجيه سليمان – عليه السلام – وتأخذ الأوامر منه. كان يأمرهم بالقيام بأعمال تعود بالفائدة على مملكتهم، ويديرون شؤونهم. قاموا ببناء المعابد ودور العبادة، وأظهروا إنجازات عظيمة في مجال العمارة، مثل بناء المحاريب وصنع الأواني والصوامع الثابتة. كما أمرهم بالغوص في البحار لاستخراج اللؤلؤ والمرجان، واستفادوا من القدرات الخارقة التي منحها الله لهم، والتي تتمثل في السرعة والقدرة على العمل بسرعة. وبفضل أعمالهم، نجحت دولتهم وازدهرت.
إسالة النّحاس: صناعة السلاح وغيرها من الصناعات، ذُكِر في القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ}. [الأنبياء: 81]. مما يُشير إلى الاستفادة من المعادن مثل الحديد، حيث كان يتم صهره وتشكيله بيد الجنّ، ثم يترك ليتم تجميده بشكل يناسب الاستخدام المرغوب.
فهم كلام ما لا ينطق من الحيوانات، والحشرات، والجمادات، والنّباتات.
- اخبار السينما و الفن9 أشهر ago
كلمات اغنية كايروكي – تلك قضية 2023
- اخبار السينما و الفن11 شهر ago
أثار إعلان فيلم Tiger 3،ضجة كبيرة بسبب مشهد معركة المناشف بين كاترينا كايف و ميشيل لي في الحمام التركي
- راديو مصر علي الهوا10 أشهر ago
ريهام مصطفى
- اخبار السينما و الفن10 أشهر ago
كلمات اغنية حمود الخضر – فلسطين بلادي 2023
- البوابة الأخبارية12 شهر ago
قائمة الزمالك لمباراة أرتا سولار اليوم
- شعر و خواطر11 شهر ago
قصيدة غزة عايشه فـي بـحر دم
- اخبار السينما و الفن9 أشهر ago
كلمات اغنية مروان بابلو – ميلوديز 2023
- مما قرأت و اعجبنى10 أشهر ago
كيلو السكر فيه كام معلقة ؟ … يوميات ونيس ج٤ – ١٩٩٧